رأي

بعد ومسافة

حكومة العالم الخفية والتدخلات المكشوفة
مصطفى أبو العزائم

لديَّ قناعة تامة بأن هناك حكومة خفية تسيِّطر على مقاليد الأمور في العالم، حكومة تتحكَّم في مسار الأزمات وتوجيهها وتتحكَّم في الثروات وتوزيعها، مثلما تتحكَّم في توظيف أنظمة الحكم في مختلف أنحاء العالم.
تلك الحكومة الخفية تظهر في مرة بلباس الكاوبوي الأمريكي ومرة بثياب القديسين الأطهار، وتظهر أحياناً بمظهر حماة الإنسانية المستندة على قوانين الأمم المتحدة ومنظماتها، مثلما تبرز أحياناً محاطة بهالات الفنون وبريق الرياضة، ولها بالقطع طرق خفية تدخل بها إلى العقول من خلال المخدِّرات وبذر بذور الثورة والتمرُّد في نفوس الشباب مع الدعوة لحمل السلاح، وهذا الأمر ليس بجديد.. بل هو قديم نصفه تارة بالماسونية وتارة بصفات قد لا تقترب من الحقيقة.
أطالع بانتظام خمس صحف يومية تصدر بالخرطوم على اعتبار أن طاقة القراءة والمتابعة محدودة لمن ينتظر بذل كثير من الجهد في أعمال أخرى عديدة، وممن أحرص على متابعة ما يكتبون صديقنا السفير الدكتور “خالد موسى دفع الله” لأسباب عديدة، من بينها الإلمام بأطراف قضيته ثم موضوعية الطرح والقدرة على التحليل الجيِّد مع استخلاص النتائج المرتبطة بالأحداث والوقائع.. وكثيرون ممن أتابع كتاباتهم يعرفون رأيي فيهم مباشرة، وهو رأي إيجابي بدليل المتابعة حتى ولو كان هناك اختلاف في جزئية ما، أو حتى كان هناك اختلاف حول القضية الكلية المطروحة أمام القارئ.
بالأمس، كتب صديقنا الدكتور “خالد موسى دفع الله” في بابه المقروء (شيء من الفكر وقليل من السياسة) في صحيفة السوداني) الغراء عن الشريك الخفي في رفع العقوبات عن السودان، مستبعداً ما ذهب إليه البعض ممن شرَّقوا وغرَّبوا بحثاً عن عامل خفي ساعد في إقناع الإدارة الأمريكية لتسريع رفع العقوبات عن السودان.
إسرائيل كانت في مقدِّمة الدول التي أقنعت الرئيس “ترمب” برفع العقوبات عن السودان، وذلك ما استندت عليه أيضاً صحيفتا (الواشنطن بوست) و(النيويورك تايمز) اللتان اعتمدتا على أن إسرائيل كانت هي العامل المؤثر في رفع العقوبات.
برأي صديقنا الدكتور “خالد موسى” إن ما ذهب إليه صديقنا الآخر الدكتور “خالد التجاني” رئيس تحرير صحيفة (إيلاف) الأسبوعية من تقديم حيثيات تاريخية مؤيدة لذلك التوجه التحليلي، هو أمر غير صحيح بكلياته، لكن العامل الحاسم في رأي الدكتور “خالد موسى” الذي دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرارها النهائي إضافة لوفاء السودان بتعهداته في إطار المسارات الخمسة ودعم الأصدقاء مثل: السعودية ودولة الإمارات ودول الخليج، كان هو العامل الأوروبي إذا أرسلت الدول الأوروبية منفردة أو مجتمعة رسائل واضحة لواشنطن أنها تؤيد رفع العقوبات عن السودان.
ذلك ما خلص إليه صديقنا الدكتور “خالد موسى”، لكنني أستأذنه في أن اختلف معه بعض الشيء وأعزي ذلك لعامل تطرَّق له البعض وهو موقف السودان (المتغيِّر) من إيران التي تحوَّلت إلى خصم بعد أن كانت حليفاً إستراتيجياً للسودان، ثم مشاركة السودان في التحالف العربي الإسلامي الذي تقوده السعودية في اليمن، وهذا ربما كان هو المدخل لدعم إسرائيل لقرار فك الحصار عن السودان، وقد ظللت أكتب وأقول باستمرار إن (فك الحصار) هو التوصيف الأدق لحالة السودان بعد الموقف الأمريكي.
قبل مشاركة السودان الفعلية في عاصفة الحزم، وحال فك الارتباط مع إيران، أذكر أنني قلت للأخ الكريم البروفيسور “إبراهيم غندور” إن السودان سيجد نفسه ضمن حلف واسع يخدم مصالح الدول المشاركة فيه ويخدم في ذات الوقت المصالح الإسرائيلية في مواجهة إيران الحليف القديم.. والبروفيسور “غندور” يذكر هذا تماماً.
ما أريد الوصول إليه أن هناك جهة ما، تخطط لما يجب أن يكون وتخطط لما يخدم مصالح إسرائيل حتى قبل أن تولد دولة إسرائيل، وإن البداية الحقيقية كانت قبل مائة عام بالتمام والكمال بوعد “بلفور” وزير الخارجية البريطاني في نوفمبر 1917م، الذي وعد فيه بقيام وطن يهودي في أرض فلسطين.. ثم أريد أن ينتبه الناس إلى ما حدث بعد ذلك الوعد المشؤوم الذي تحل ذكراه المائة في الثاني من الشهر القادم، فقد تم تفكيك وإنهاء حالة وجود الدولة العثمانية، وبرزت للوجود أفكار توجهات عرقية وطائفية وإثنية وغير ذلك بما يساعد على إنشاء دول أخرى ذات صيغة خاصة.. انظر الآن إلى تفكيك الدول العربية والسعي لقيام دولة جديدة – كردستان أنموذجاً – ودعم حركات متمرِّدة تدعو لإنشاء دول خارجة عن دول أخرى، مثل: (الصحراء الغربية) في المغرب وثوار البوليساريو الذين تدعمهم للأسف دولة عربية أخرى، ومثل النموذج الحي المتمثل في انفصال دولة جنوب السودان، ثم دعوات تقرير المصير وتغذية الدعوات لإنشاء دولة النوبة جنوب مصر وشمال السودان، ومثل ما يحدث في كثير من الدول الأفريقية.
حكومة العالم الخفية تعمل على توحيد مناطق نفوذها وتفكيك مناطق أطماعها ومصالحها، حيث الثروات والموارد.. وتتدخل دون استئذان وتتخطى الحواجز والموانع تحت أنظار الجميع.. فهل تستطيع دولة أو أحد أن يقول (بغم)؟.. لا اعتقد ذلك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية