رأي

مسامرات

لماذا لا يغني “أبو عركي”؟
محمد إبراهيم الحاج

{ السؤال أعلاه هو الآن الأكثر إلحاحاً والأكثر تداولاً.. والأكثر أرقاً لمتعاطي الغناء الملتزم.
{ والساحة الفنية التي يغيب عنها “عركي” انحدرت مؤخراً إلى منزلقات موجعة.
{ موجعة لمن يدرك قيمة أن الفن ليس أداة للترفيه.. ولكنه عنصر أساسي في صياغة وتوجيه وتشكيل ثقافة الناس والأمم والشعوب.
{ و”عركي” واحد من الدعامات المهمة، يقدم المتعة الروحية والفن الملتزم ويساهم بأدواته الإبداعية في صياغة وجدان الناس وتشكيله بعناصر جمالية محترمة.
{ ولكنه لا يغني الآن.
{ وتغييب “عركي” أو غيابه ساهم في أن تتكاثر عناصر تمتهن الفن وتبتذله وتتخذه مطية لتحقيق أمجاد ذاتية.. فتحث الخطى نحو الثراء والشهرة وإحاطة نفسها بهالة من (النجومية الكاذبة).
{ و”عركي” لا يفعل ذلك.. ولا يغني.
{ ليس بمقدورك الآن أن تستمع إلى (واحشني) أو ( بخاف) أو (المسؤولية) أو غيرها من الأعمال التي تمنح الروح عافيتها وصحتها.
{ لن تستمع الآن إلى “أبو عركي” في مسارح الخرطوم أو القنوات الفضائية أو الإذاعات.
{ لن تستمع له لأن هذه المؤسسات التي تنتشر وسط الناس محجوزة لآخرين (يهرطقون) بغناء رث منزوعة منه (بركة) الالتزام والصدق.
{ و”عركي” في مكانه وعزلته بعيداً يرقبها وهو (ما عندو نفس للغناء).. وجمهوره يتحرق شوقاً له و(تحترق) رسالة الفن شيئاً فشيئاً.
{ في آخر حديث بيني وبينه أبلغني (إنو ما عندو نفس يغني).
{ ما يحدث في البلاد من فقر ومرض للناس يجعله غير راغب في الغناء.. وغير راغب كذلك في أن يصعد إلى المسرح ليلتقي معجبيه الذين علا أذان بعضهم (صدأ) ما ينفثه مغنو الخرطوم.
{ وما يدري “أبو عركي” أن بغيابه تزداد معاناة الناس.. لأن الاستماع له هو ميزة ومصدر للفرح أقفل أمام الناس فزادت معاناتهم لغيابه.
{ لكل أمة من الأمم ممسكاتها ورموزها التي يلتف الناس حولها ويعظمونها ويجعلونها عناصر للالتقاء والوحدة وإزالة العصبيات والتناحر.
{ “الطيب صالح”.. “وردي”.. “محمد الأمين”.. “مصطفى سيد أحمد”.. “محجوب شريف”.. “حميد”.. “الفاضل سعيد”.. “محمود عبد العزيز”.. “النيل”.. تاريخنا التليد.. “أبو عركي”.. الهلال والمريخ.
{ هذه عناصر للالتقاء والحب.. يجتمع في عشق هذه (الأصول الإنسانية السودانية) أغلب أهل السودان.. ولا يشذ عن عشق من ذكرت آنفاً إلا من كان (مغيب) أو (عقوق) أو (كفيف الإنسانية).
{ وإذا استعصى على بلادنا أن تنعم بالخير والثراء والخدمات الأساسية.. والحاجات الإنسانية وصعب عليها توفرها فإن كثيرين يلجأون إلى (منابع) الفرح، يحيلون قتامة أيامهم إلى شعاع ولو للحظة.
{ و”عركي” واحد من هذه (المنابع) المهمة يلتقي عنده الناس.. يمنحهم طمأنينة النفس.. ولكنه لا يغني.
{ هل ثمة ما يمنع “عركي” من الغناء غير (إنو ما عندو نفس يغني)؟
{ وهل هناك جهات من مصلحتها أن لا يغني “أبو عركي”؟
{ “عركي” مبدع يقدم الغناء الملتزم، ويمنح الناس الفرح النبيل فلا أعتقد أن هناك جهة تتضرر من أن يكون غناء يماثل (الإصلاح الاجتماعي) في غياهب النسيان مثلما هو الآن لـ”عركي”.
{ أزيلوا كل المتاريس لكي يعود “عركي” إلى المسارح يصدح بكل أيقوناته التي تهب الحياة بعض (طمأنينتها) المفقودة، وتعيد إلى الفن دماءه التي أريقت بفعل بعض أفعال صبية الغناء الذين لا يفرقون بين (الغناء) و(الغثاء).
} مسامرة أخيرة
{ بحبك حب
بحبك حب ثقل موية المطر المن السما بتنزل
قدر رمل البحار الليها بستقبل
عدد سيقان شجر
 مد البصر
 مثمر
عدد ناساً بتتزاوج وتتوالد وتتناسل وتتكاثر
 أقسم ليك يا عاسرة بحبك حب
 ما حباهو جن لي جن
 ولا حباهو زول لبشر
ولا الجايين من الأرحام
من بعدك ومن بعدي ح يعرفو كيف دا كان بحصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية