بعد ومسافة
إلى مصاصي دماء الشعب
مصطفى أبوالعزائم
لم أفاجأ بعودة السيد الأخضر (الدولار) إلى مكانته الرفيعة السامية في أسواق العملات.. وقد نشرنا في ذات هذا المكان قبل يومين مقالاً تحت عنوان (عودة حليمة الأمريكية إلى قديمها السوداني) ذكرنا فيه نصاً (إن السعر الحالي للدولار هو سعر غير حقيقي، وإن حالة من الرعب أدت إلى أن ينخفض قليلاً، لكن توقعاتي الشخصية تشير إلى أن سعر الدولار سيثبت عند آخر سعر وصله قبل الثاني عشر من يوليو الماضي، وهو تاريخ صدور قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بتأجيل رفع العقوبات عن السودان إلى الثاني عشر من أكتوبر 2017م، وذكرت أن ذلك هو السعر الحقيقي للدولار الذي حوله تجارنا (الأشاوس) وموردونا (الأبطال) إلى سلعة وحكومتنا الرشيدة تتفرج، وإن صعب عليها أمر التعاملات المالية، وضاقت عليها جداول الميزانيات، أدخلت يدها– بكل جرأة– في جيوب المواطنين والمستثمرين والبسطاء لتأخذ ما فيها تارة باسم الضرائب وأخرى باسم الزكاة وتارات وتارات باسم الرسوم– محلية وولائية واتحادية– ومرات باسم الصادر).
كان ذلك جزءاً مما كتبناه وتم نشره قبل يومين في هذه المساحة، وتوقعنا فيه عودة حليمة إلى عادتها القديمة، أي أن يعود الدولار مكرماً معززاً مبجلاً إلى عرشه السامي فوق كل العملات وأولها الجنيه السوداني الذي راح ضحية تخبط السياسات، ومضى في سبيل النهايات نحو حتفه، خاصة بعد أن جعلناه مكشوفاً أمام عاديات الدهر، ورفعنا عنه غطاء الإنتاج الذي يتسرب ويتم تهريبه إلى دول الجوار ثم يعود مرة أخرى متجهاً إلى الخارج تحت ديباجات صادر إثيوبية مثلما في حالة الذهب والصمغ العربي، أو تحت ديباجات صادر تشادية مثلما في حالة الصمغ العربي، أو يتم تصدير اللحوم الحية أو الذبيح إلى دول أخرى ليعاد تصديرها إلى خارج القارة باسم تلك الدول، مثلما في حالة صادر اللحوم إلى مصر.
الحكومة تتشدد مع مواطنيها بالداخل في حالة الرسوم والجبايات والجمارك، بينما تتساهل في مثل الذي أشرنا إليه من إعادة تصدير المنتج السوداني إلى الخارج بديباجات صادر أخرى.. وكثير من تجارنا ومصدرينا الأشاوس يشتركون في تلك الجريمة، وهو ما سيفضي إلى التدهور الاقتصادي في أحسن الأحوال إن لم يكن يؤدي إلى الانهيار، لأن الفاقد الكبير في الأرباح يعود إلى الغير ولا تستفيد منه الخزانة العامة، ولا الشعب السوداني الذي أصبحت قيمة وارداته أعلى من قيمة صادراته بأكثر من ستة أضعاف، وربما أعلى من ذلك بكثير! والسبب هو أولئك الذين يمصّون دماء الشعب وتساعدهم السياسات الخرقاء والجهل بأبجديات علم الاقتصاد، والتعامل مع الأزمات والمشاكل بمبدأ (رزق اليوم باليوم)، وهو ما أوصلنا إلى هذا الدرك السحيق، وجعل القائمين بأمر السياسات الاقتصادية معاونين ومشاركين في جريمة مص دماء الشعب السوداني، ومساعدين في توسعة عروق وشرايين المواطن حتى تسهل تصفية دمه بسهولة ويسر، ليزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقراً.. ولا نستبعد أن يكون هناك نادٍ للكبار أسهم في هذه الكارثة، خاصة وأن الدولار عاد بالأمس إلى الأعالي وتجاوز سعره العشرين جنيهاً.. نعم لا نستبعد ذلك مع ضعف في الرقابة المالية العامة، ولا نستبعد أن يطلب أولئك الكبار من مصاصي دماء الشعب السوداني الجهات المختصة بألا تتدخل حالياً لتخفيض سعر الدولار لأن لديهم حاويات وسلعاً وبضائع في الطريق دفعوا أثمانها بالدولار (المغلظ) عندما كان في أعلى درجاته.. وإذا حدث الذي أشرنا إليه فإن الدولار سيحتفظ بالقمة لأشهر عديدة.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.