أخبار

مأساة الصناعة

{ هل تعلم عزيزي القارئ أن أول مصنع في ولايات دارفور، يعود لدائرة الإنتاج قد تم افتتاحه في نيالا الشهر الماضي على يد الرئيس “البشير” وفي غياب وزير الصناعة الذي ينتمي لولايات دارفور، وكان من الذين يكثرون الحديث عن الظلم الذي حاق بدارفور حتى جلس على كرسي أهم وزارة اقتصادية في البلاد و(سكت عن الكلام) حتى يغادر موقعه وإن شاء الله بعد عمر مديد..
{ المصنع الوحيد في دارفور تمت إعادة تشغيله بعد أن ظل مغلقاً وصامتاً لأكثر من 40 سنة، وتلك من مخازي وإخفاقات حكومتنا الرشيدة والحكومات اللاتي جلسن على كرسي السُلطة من قبلها.. حيث يعود تاريخ مدبغة الجلود لعام 1970 حيث وضع حجر أساسها الراحل الرائد “هاشم العطا”، قبل أن يقتل في عام 1971 ليأتي المشير “البشير” بعد 46 عاماً ويفتتح مصنع نيالا للجلود أو (مدبغة الجلود) وقد وضع المالك الجديد للمدبغة “عبد الرحيم حمدان دقلو” وهو رجل أعمال ناجح وضابط لاحقاً في قوات الدعم السريع ينوب عن الفريق “حميدتي” وضع اسم “هاشم العطا” بارزاً في منصة الافتتاح ليمنحه حقه الأدبي الذي حرم منه في مايو بعد انقلابه عليها وفشله في الوصول إلى السُلطة بأمر الحزب الشيوعي.. وذلك التاريخ الذي أهمله المؤرخون لا يشغلنا عن واقع الأزمة التي تعيشها بلادنا حيث تحتكر ولاية الخرطوم كل الصناعات التحويلية، إما بسبب الرسوم الباهظة التي تفرضها الولايات على الاستثمار والتجارة أو بسبب الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار أو لضعف البنيات الأساسية للصناعة من مواد خام وكهرباء..
{ مدبغة نيالا كانت في السابق مؤسسة حكومية تتبع لوزارة الصناعة ثم آلت للحكومة الولائية، وكلاهما فشلا في إنتاج قطعة جلد ماعز واحدة للصادر أو لسد حاجة السوق المحلية، حتى بيعت المدبغة لرجل الأعمال “عبد الرحيم حمدان”، وتأسيس شراكة مع رجل أعمال آخر هو “وليد الفايد”.. والاتفاق مع الحكومة الصينية لإنتاج جلود بمواصفات حاجة السوق الصيني، ليبدأ إنتاج مصنع الجلود في الشهر الماضي وقد احتكرت الصين شراء الإنتاج لمدة (10) سنوات مقابل التمويل.. وطاقة المصنع الإنتاجية أقل من المعروض من جلود الغنم والضأن التي كانت تصدر من السودان خاماً بأسعار زهيدة جداً واليوم يصدر السودان من نيالا جلوداً للصين بمواصفات يطلبها السوق هناك.. ورغم ذلك تستعر الحرب على القطاع الخاص من الحكومة نفسها.. وتتربص المجالس التشريعية بالمستثمرين الذين (يضحون) من أجل نقل أنشطتهم من الخرطوم إلى مناطق غير مستقرة مثل دارفور.. وقد خاض رجل الأعمال “وليد الفايد” معارك لا حاجة له لخوضها وهو يشيد الطرق، وما قصة مول نيالا ببعيدة.. ولو فتح “وليد الفايد” خزانة أسراره.. وكشف عن التهديد الذي ظل يتعرض له من بعض النافذين في السُلطة ليحصلوا على (رشاوى) مقابل سكوتهم عنه، لجعل من تحسبهم رجال دولة مجرد أشباح تمشي عارية أمام الملأ..
{ ومثلما يتعرض التجار للحرب الضروس والاستهداف المعلن فإن تنمية الأطراف نفسها تحتاج لحماية قانونية وحماية سياسية، فإذا كانت ولايات مثل دارفور غنية بالموارد الزراعية والحيوانية ولكنها فقيرة جداً من حيث البنية الصناعية التحويلية.. ولن تستقر دارفور بالوجود المكثف للشرطة ولا الدعم السريع، ولكنها تستقر حينما تدور عجلة الإنتاج وتصبح الجنينة هي المصدر الأول لاحتياجات دول تشاد وأفريقيا الوسطى، وتصبح الفاشر هي المنافس بإنتاجها في الأسواق الليبية.. وتهبط الطائرات وتقلع من مطار في جبل مرة لتصدير البرتقال والمانجو، حينها ستصمت البندقية للأبد..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية