وانطوت صفحات (20) عاماً من الحصار.. تفاصيل القرار الأمريكي وردود الفعل
توقعات بانخفاض الدولار إلى (3) جنيهات!
الخرطوم – يوسف بشير
أخيراً وبعد (20) عاماً من فرضها على الخرطوم، أعلنت الإدارة الأمريكية رفع العقوبات الاقتصادية، وارجعت الخطوة بتسجيل الخرطوم تحسناً في أوضاع حقوق الإنسان وتقدماً في محاربة الإرهاب. في وقت أبقت اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب جنباً إلى جنب سوريا وإيران، وأيضاً أبقت على ضرورة ملاحقة المسؤولين المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
وقد حاولت الخرطوم، طوال أكثر من عام، التقدم في المسارات الخمسة التي حُددت قبل الانخراط في الحوار مع واشنطن، بجانب التقدم في الملاحظات التي أبدتها الأخيرة. صحيح أن البلاد خطت في التقدم في المسارات الخمسة التي دفعت الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات الاقتصادية، ولكن، لأصدقاء النظام القائم، الذين أقام معهم مؤخراً علاقات جيدة، المتمثلين في السعودية والإمارات دوراً مهماً في إصدار قرار رفع العقوبات، بشهادة وزارة الخارجية. وتضيف إليهم بعض الوكالات الإخبارية، ذات المصداقية، إسرائيل.
}بادئ ذي بدء..
في البداية، أدرجت واشنطن الخرطوم على قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993م، وعللت الخطوة بما وصفته بـ(مخاوف تتعلق بالإرهاب). وبعد خمس سنوات فرضت عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة، وفي 2006م وسعت العقوبات لتشمل حظر الأفراد الذين تثبت مساهمتهم في نزاع دارفور وحجز أملاكهم. ولمزيد من تضييق الخناق، سنت تشريعات شملت: قانون سلام السودان (2002)، وقانون سلام السودان الشامل (2004)، وقانون سلام ومحاسبة دارفور (2006)، وقانون المحاسبة ونزع الاستثمار في السودان (2007).
بسبب تلك العقوبات، دخلت الخرطوم في عزلة اقتصادية أبدت بمقاطعة البنوك الأمريكية والأوربية وتدرجت بمرور الوقت لتشمل بعض المصارف الخليجية والآسيوية، خوفاً من العقوبات الأمريكية.
}أضرار مضاعفة..
هذه العزلة زادت من تكلفة التحاويل المصرفية وحرمت القطاع الخاص من الاستفادة من التمويل الخارجي والاستثمار الأجنبي. ويعتبر قطاع النقل أول الخاسرين، يليه قطاع الصحة فيما يلي الجانب الدوائي، بجانب تدهور الصناعات الرئيسية كالنسيج والزيوت والملبوسات والمنتجات الجلدية والدواء، وذلك لعدم التمكن من اقتناء قطع الغيار والتقانة الحديثة بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة التمويل والمعاملات البنكية، مما أدى إلى توقف الكثير من الصناعات الحيوية وتشريد كمٍّ هائل من العمالة. ولم يكن القطاع الزراعي أوفر حظاً، فتضاعفت أسعار مداخلات الإنتاج بسبب الشراء عبر الوسطاء والسوق الموازي والحرمان من استيراد التقنيات الحديثة. وصاحبت المقاطعة قرارات سياسية فاشلة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والمالي فقادت إلى تدهور الأوضاع المعيشية، الأمر الذي دعا الحكومة مؤخراً إلى القيام بمبادرات لتخفيف أعباء المعيشية، لم تصب نجاحاً كبيراً. بالطبع، لا يفوتنا ذكر أن المقاطعة الاقتصادية وراء انخفاض قيمة العُملة الوطنية مقابل العُملات الأخرى القابلة للتحويل.
}إشارات تفاؤل..
بعد توسط واشنطن بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، الوساطة التي تم إبرام اتفاقية السلام في 2005م، وعدت الأولى الثانية بشطب اسمها قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات وتطبيع العلاقات بين البلدين، في حال التزامها بإجراء الاستفتاء وعدم عرقلة انفصال الجنوب. أوفت الخرطوم بالتزاماتها بيد أن واشنطن لم توفِ بوعدها. وكان على الثانية الانتظار أربع سنوات، لتقود حواراً في 2014م، تمخض عنه تخفيف الإدارة الأمريكية في العام التالي العقوبات، إذ سمحت للشركات الأميركية بتصدير الأجهزة الإلكترونية الشخصية مثل الهواتف الذكية وتطبيقاتها إلى السودان.
وتحسنت تدريجياً علاقات البلدين، ففي سبتمبر 2016م عقدت واشنطن مؤتمرا لمناقشة العقوبات التي تفرضها على الخرطوم بمشاركة مسؤولين سودانيين بينهم محافظ البنك المركزي لتعريف الشركات والبنوك العالمية بالمعاملات المالية والتجارية غير المحظورة بموجب العقوبات الأميركية. وفي العام الذي يليه قرر الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” بدء تخفيف العقوبات على السودان بشأن فك الأصول المجمدة، والمعاملات البنكية والمصرفية، وكل المعاملات التجارية والاستثمارية، مع بعض الاستثناءات مثل شراء المعدات العسكرية والأجهزة المتقدمة والأجهزة ذات الاستعمال المشترك، التي سينظر في أمرها بعد (180) يوماً من بدء سريان القرار. وتصادف انتهاء مهلة (180) يوماً بدء فترة الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب”، الذي أبقى مد الفترة لثلاثة أشهر، للتأكد من جدية الخرطوم، تنتهي في الثاني عشر من أكتوبر. وبعد التأكد؛ رفع بالأمس العقوبات الاقتصادية.
}تحليلات جمة..
ثمة خبر أوردته وكالة رويترز الإخبارية، أول من أمس، على لسان مسؤول أمريكي، فضل عدم الإفصاح عن اسمه؛ كشف عن قرار مرتقب للإدارة الأمريكية، الجمعة، برفع العقوبات الاقتصادية. هذا الخبر، الذي تصدر صحف الأمس، شغل الكل، في وسائط التواصل الاجتماعي، في تحليلات سياسية واقتصادية، وتضاعفت التحليلات مُنذ صباح (الجمعة)، مصحوبة بتعليقات طريفة ولاذعة، وبالطبع لم تنتهِ الأقوال بعد إعلان رفع العقوبات الاقتصادية. التحليلات انحصرت في توقعات بتوالي انخفاض سعر صرف الدولار والاستثمارات التي تنهال على السودان بعد أن أزيلت القيود المفروضة على التجارة والمعاملات التجارية، بجانب كيفية زيادة الإنتاج، فضلاً عن كيفية جلب الدعم التنموي والتقني والتكنولوجي من الدول المتقدمة.
}أسباب القرار..
قرار رفع العقوبات قالته وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، إن الإجراءات الإيجابية اتخذتها الحكومة للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع في السودان وتحسين المساعدات الإنسانية، بجانب التعاون مع أمريكا في معالجة الصراعات الإقليمية ومهددات الإرهاب، وأضافت إن القرار جاء بعد جهد دبلوماسي استمر (16) شهراً. وذكرت أن القرار اتخذ بعد التشاور مع وزير الخزانة ومديري المخابرات، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (المعونة الأمريكية). وشددت على الإجراءات التي اتخذتها الخرطوم تؤكد جديتها في التعاون مع واشنطن، وطالبت الأولى بإحراز مزيد من التقدم لتحقيق السلام بصورة كاملة ومستدامة في السودان.
}توقعات انتعاشية..
رفع العقوبات سوف تساعد الخرطوم في فتح مجالات كبيرة للتبادل التجاري والاقتصادي مع بقية العالم الغربي، لتوفير السلع ومدخلات الإنتاج والخدمات الصحية والتعليمية، إضافة لاستفادتها من التسهيلات المصرفية والتقنية الغربية المتطورة وفتح مجالات التعاون مع مؤسسات التمويل والاستثمار الدولية، خاصة بالنسبة للقطاع الخاص السوداني.
وسيكون القطاع الزراعي (بشقيه النباتي والحيواني) الأكثر استفادة، إذ يمثل القاعدة الإنتاجية الرئيسية لكثير من المواطنين كمصدر دخل رئيسي لهم، فاستعادة انسياب واردات المدخلات الزراعية من قطع الغيار والأسمدة والتقاوى والتقنيات الحديثة، سيرفع من إنتاج وإنتاجية القطاع. والقطاع الصناعي الذي يعتبر أحد المصادر الرئيسية للعمالة، هو الآخر: يستفيد من رفع العقوبات.
وتوقع رئيس اتحاد أصحاب العمل، “سعود البرير”، انخفاض سعر صرف الدولار، بعد رفع العقوبات، إلى (15) جنيهاً في السوق الموازي، ليتوالي الانخفاض وصولاً لـ(3) جنيهات بعد دخول استثمارات وصفها بالضخمة للبلاد مما يزيد من رفع الإنتاج. ،
من جانبه، تعهد رئيس الغرفة التجارية “يوسف أحمد يوسف”، بالعمل على تنفيذ قرار العقوبات الاقتصادية مع البنوك والشركات الغربية، وتذليل الجهود لتجد سوق الاستثمار مفيداً، وكشف عن عزمهم عقد ورش للوصول لرؤية واضحة للاستفادة من قرار رفع العقوبات.