القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور "قطبي المهدي" لـ (المجهر) (1-2):
يعتبر دكتور “قطبي” من القيادات التي ظلت تدفع بآرائها الجريئة في حول القضايا المصيرية في حزب المؤتمر الوطني، وكان الحال كذلك أيام اتفاقية نيفاشا، ولهذا السبب غادر مواقع الحكومة عقب وصول الراحل “جون قرنق” الخرطوم، ومؤخراً خرج “قطبي” من رئاسة القطاع السياسي مع احتفاظه بعضويته في المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، ورغم ذلك ظل يعبر عن آرائه على طريقته الخاصة.. بعد استئناف التفاوض مع الجنوب أصبح “قطبي” يطلق صافرة الإنذار للحكومة من المجموعة الحاكمة في الجنوب، وبالمقابل ظل يدعو حزبه لإجراء إصلاحات جذرية.. (المجهر) التقت دكتور “قطبي المهدي” في حوار تناول الراهن السياسي، بجانب قضايا تنظيم الحزب الحاكم.. فإلى التفاصيل:
{ لفت حديثك الأخير لصحيفة الشرق الأوسط الناس، هل كنت تعني ما قلت؟
– الحديث الذي ورد هو جزء مما قلته، صحيح في مضمونه، وكان يمكن فهمه بطريقة أفضل إذا جاء في السياق الكامل، لكن النقطة المهمة فيه أنني ذكرت أن الحزب كان ناجحاً طيلة الفترة الماضية في علاج المشاكل السودانية، وقدمت الإنقاذ إنجازات مهمة في هذه الفترة، وبعد 23 عاماً وبدخولنا الجمهورية الثانية كما يطلق عليها، أنت تحتاج إلى تجديد روح ورؤى الحزب وتطوير آلياته؛ حتى تستطيع أن تواجه مطلوبات المرحلة ومهامها وتحدياتها.
{ هذا اعتراف جريء؟
– هذا الحديث كان ضمن مخرجات المؤتمر العام الماضي، وظل يتردد في الحزب، وكل العلاجات التي قدمناها في المرحلة الماضية أدت دورها ونحتاج إلى علاجات جديدة لمواجهة مشاكل المرحلة القادمة، ومن هنا يمكن أن يفهم حديثي الذي قلت فيه إن الدواء السابق صلاحيته انتهت ونحتاج إلى دواء جديد.
{ لديك آراء حول تجديد القيادة، أليس كذلك؟
– تجديد القيادة أمر متفق عليه وإن كان لديّ تحفظ حول كلام الرئيس حول عدم التجديد لنفسه في المرحلة القادمة..
{ لماذا التحفظ طالما أن الأمر يأتي في سياق التجديد؟
– صحيح، هو تحمل خلال 23 عاماً ما لم يتحمله رئيس في الدنيا، ويقود بلداً محاصرة ومقاطعة ومحاربة من الخارج، ويحمل بعض أبنائها السلاح ضد دولتهم، وظل يقاتل في الجبهة الاقتصادية في بلاد يعاني اقتصادها من مشاكل كثيرة جداً ودفع الكثير من حياته الخاصة وصحته، وانتهى به الأمر لمواجهة المحكمة الدولية..
{ (مقاطعة)، ولهذه الأسباب قد يصبح التغيير أمراً مهماً؟
– في ما يخص الرئيس بالذات أنا من ناحية مبدئية أرى أن الشعب هو من يقرر في هذه المسألة، فإذا قرر بعد عام واحد طرح الثقة في الرئيس، فمن حقه ذلك، وإذا قرر إنهاء خدماته عن طريق الانتخابات بعد نهاية فترته الأولى أو الثانية، فمن حقه ذلك، لكن إذا الشعب رأى أنه لا يزال يحتاج لبقاء الرئيس لظروف موضوعية تحيط بالبلد والرئيس ما يزال يملك من العطاء والطاقة ما يمكنه من قيادتها، فإرادة الشعب يجب أن تُحترم..
{ حتى إذا قرر الرئيس عدم الترشح مرة أخرى؟
– إذا الرئيس رأى بعد (23) عاماً عدم الاستمرار، فأنا شخصياً مقدر جداً حسب متابعتي لنشاط الرئيس طوال هذه الفترة.
{ نود معرفة رأيك الشخصي في رغبة الرئيس عدم الترشح؟
– رأيي أن الرئيس “البشير” شخص مخلص جداً، ومتفانٍ في خدمة وطنه وشعبه، وأمين، وشجاع في الدفاع عن سيادة وكرامة الأمة..
{ لكن الإخلاص يحتاج إلى طاقة؟
– لا أعتقد أن طاقته وأفكاره وإرادته القوية قد استنفذت، ولا أعتقد أننا استطعنا حتى الآن أن نرى في البدائل المطروحة على الأقل بديلاً أفضل منه، وهذا ما قرره الشعب في الانتخابات الماضية، والأمر متروك له في الانتخابات القادمة.
{ ما قلته الآن يدل على أن هناك تحولاً طرأ على موقفك الأخير الذي تداوله الناس في ما يخص ترشح الرئيس؟
– أنا قلت في حواري الأخير إن الرئيس ذكر أنه سيذهب، وإذا ذهب فالرئيس الجديد سيختار نائبيه، وهذا وضع طبيعي ولا يعني أنني حكمت عليهما بالذهاب إلى المعاش، وإذا الناس رأوا أن يأتي منهما الرئيس فليأت ويختار نوابه.
{ تلاحظ في الفترة الأخيرة أنك تقف في منطقة ثالثة بعيدة عن الحكومة والحزب، وأكدها قولك (سمعت أن الرئيس لن يترشح)؟
– بالنسبة لحديثي عن عدم ترشح الرئيس هو ذكر هذا لإحدى الصحف في زيارته للدوحة، ولم يطرح هذا في مؤسسات الحزب التي يشارك فيها.
{ هذا لا ينفي ابتعادك؟
– تعليقك صحيح، فأنا عندما أسأل عن رأي الحزب، أقول رأي الحزب، وعندما أُسال عن رأيي أقول رأيي، والحزب عادة يتداول في القضايا حتى يصدر رأياً محدداً، وحينها يكون الرأي الغالب هو رأي الحزب، وقد تكون هناك قيادات لها آراء ووجهات نظر كثيرة، وكلها تصدر من مرجعية واحدة وللمصلحة العامة، وبالتالي أنا كقيادي لديّ تاريخ طويل جداً في العمل السياسي، وتجربة خاصة في الداخل والخارج بعيدة عن تجربة الحزب، وأحياناً أعبر عن رأيي بطريقة جهيرة.
{ هل أنت مازلت قريباً من مركز اتخاذ القرار؟
– أنا عضو بالمكتب القيادي، وإذا كان يتخذ قرارات الحزب فأنا موجود فيه، وفي الشورى والمؤتمر العام، وفي يوم ما كنت في الجهاز التنفيذي.
{ هل فعلاً المكتب القيادي هو الذي يتخذ القرار أم أنه يُتخذ على مستوى أضيق؟
– المسألة تتفاوت، فهناك قضايا إستراتيجية مهمة تناقشها المؤسسات، وهناك قضايا السياسة اليومية أحياناً تناقشها القيادات في المواقع المختلفة.
{ أين موقعك من مناقشة القضايا المصيرية؟
– الناس تشارك بدرجات مختلفة حسب مواقعها.
{ أنت شريك في ما يقرر الآن بشأن المفاوضات مثلاً؟
– شريك، لا يعني أنني موافق لكن أشارك برأيي في المداولات وقد يؤخذ به أو لا يؤخذ.
{ ما تطلقه من انتقادات، يأتي في إطار رأفتك على الوطن أم الحزب؟
– أنا انضممت للحزب؛ لأنني أعتقد أنه يعبر عن قضايا الوطن بشكل جيد لا يمثل مصالح طائفة أو زعامة معينة أو جهة أو قبيلة أو إقليم.. والمؤتمر الوطني حزب قومي يمثل مبادئ وثوابت وطنية، وبالتالي بالنسبة لي هو جدير بقيادة البلد لذلك أنشط فيه وأنتمي إليه وأدافع عن مواقفه.
{ ومازال يمثل لك تلك الثوابت؟
-مازال، وفي نفس الوقت أنا أكثر الناس انتقاداً له ودفاعاً عنه.
{ ودعوتك للتجديد؟
– أعتقد أن الحزب لابد أن يجدد نفسه لكن هذا لا يغير من أنه حزب قومي يدافع عن سيادة السودان، كما أنه لأول مرة أرسى قواعد تنمية في البلاد، لكن في المرحلة القادمة مطلوب منه تجديد روحه ورؤاه وقياداته وهياكله وكوادره لمواجهة المرحلة القادمة.
{ على خلفية الجهر بآرائك، هل تتوقع ابتعادك عن العمل السياسي؟
– هذا الكلام كنت أقوله منذ البداية، لا أعتقد هناك جديدا فيما أقول، صحيح قد يكون الحزب بالنسبة لي لم يعد الحزب (الزمان)، وهذا مضمون الكلام الذي ذكرته مؤخراً، لكن طيلة هذا الوقت عكس ما يرى الناس في الحزب، أنا لم أكن آلة صماء، وكما ذكرت لديّ تجربة طويلة أطول من تجربة الحزب نفسه؛ لذلك الناس عندما يتحدثون عني مثلاً يتحدثون عن “أحمد عبد الرحمن” كقيادي في الحزب، فهو لم يكن عضواً في المكتب القيادي، ولا أي جهاز من أجهزة الحزب، لكن لا أحداً يمكن أن يقول إنه ليس قيادياً في الحزب، وشخصيات كثيرة جداً مثله، فأنت أحياناً تكتسب موقعك، ليس لأن لديك منصباً لكن من تجربتك التاريخية، وأنا لديّ تجربة تاريخية طويلة، وبالتالي ليس لديّ مشكلة في أن أخرج من الحزب اليوم أو أبقى فيه سأظل أنا “قطبي المهدي” بتاريخي وتجربتي وأفكاري.
{ لكن صوتك في القضايا المصيرية لم يعد مسموعاً كما كان الحال من قبل؟
– لأنني لا أشغل موقعاً محدداً في هذه العمليات، ربما الناس افتقدوا رأيي، لكن من وقت لآخر حينما أسأل لديّ رأي واضح فيها.
{ لا تشغل منصباً برغبتك؟
– (أيوه)، في فترة من الفترات كنت في الجهاز التنفيذي، وبعد ذلك اتخذت موقفاً بعدم المشاركة في الجهاز التنفيذي لأكثر من سبب أبرزها عدم قناعتي أحياناً بالسياسة الراهنة، ولا أستطيع خدمة سياسة أنا غير مقتنع بها أو أدافع عنها، وهذا الكلام ذكرته للأخ الرئيس حينما اعتذرت له عن قبول المنصب التنفيذي.
{ قيل ستقدم للمساءلة بسبب آرائك الجريئة؟
– هذه الكلام يعبر عن رأي الشخص الذي كتبه، ولا أعتقد أن له أي أساس.
{ لأنك قيادي كبير مثلاً؟
– بل لأنني لم أقل شيئاً يخالف ما تقوله قيادة الحزب نفسها في ما يتعلق بالتجديد والتغيير الذي سمعناه في المؤتمر الأخير، وظللنا نسمعه من كل القيادات، وهو نفس الكلام الذي درجت على ذكره في كل مرة، ويعبر عن قناعتي من فترة طويلة، ليست هناك مساءلة ولم أسمع بها، وربما يسألني شخص عمّا ورد من آراء في الحوار الأخير، ونتناقش حولها وهم لم يستغربوا مني هذا القول، وأعتقد جميعهم سيقرؤونه في سياق إيجابي جداً، في الحزب هم ليسوا (حساسين) بالدرجة التي يتوقعها بعض المراقبين، وليس هناك قمع للآراء بهذه الصورة في الحزب.
{ الرئيس ونوابه، هل تناقشوا معك حول ما قلته؟
– إطلاقاً..
{ قلت في المؤتمر العام السابق كان هناك اتفاق على إحداث تغيير في البنية السياسية للحزب، وهذا ما لم يحدث، فهل هذا مؤشر لفشل التجربة الإسلامية في الحكم؟
– دائماً ما تكون هناك مفارقة، بدرجة ما بين ما نقرره وننفذه، وأحياناً الوقت عامل مهم، كما إنني لاحظت وجود قيادات جديدة خلال الفترة الماضية، الآن إذا نظرنا للتشكيل الحكومي الأخير لا نجد من الشخصيات القديمة إلا ثلاث شخصيات، وهناك أسماء كثيرة جداً جديدة؛ حتى أنا يصعب عليّ الآن معرفة الوزراء وأحياناً لا أعرف الأحزاب التي يمثلونها، هناك شخصيات من أحزاب أخرى جاءت في القيادة، وهذا بلا شك يتم في إطار عملية تغيير وتجديد، لكن إلى أي مدى هي كافية؟ من حيث المضمون هناك تغيير في هيكلة الدولة وهناك برامج اقتصادية جديدة لكن ما طرحناه نحن بصورة رديكالية جذرية للتغيير لم يحدث، والسبب جزء منه المفارقة مابين التطبيق والتنظير، وبجانب عامل الزمن.
وأنا المهم بالنسبة لي هو تجديد روح الحزب ورؤاه أكثر من استبدال شخص بشخص أو تبديل الهياكل.
{ من الذي تسبب في فشل تطبيق مخرجات المؤتمر العام الماضي، الأشخاص أم السياسات؟
– أنا نظرتي أبعد من ذلك أعتقد أن التغيير المطلوب هو تغيير في الروح، وليس في إجراءات شكلية، وهذه عملية صعبة جداً، روح التفاني والتضحية التي كانت موجودة في بداية الإنقاذ لا أراها الآن في العلاقات التنظيمية الموجودة وعلاقات العمل، وهذه مسألة أساسية بالنسبة لي واستعادتها لا تحدث بين يوم وليلة وقد نفشل فيها.
{ لماذا؟
– ما يزعجني أنني لم أر تغييراً حقيقياً في هذا الجانب أو حتى إرادة قوية للتغيير، أما في ما يتعلق بالتنظيم والهياكل، فالتغيير سهل جداً وسبق أن حدث بعض التغيير في تبديل الشخصيات، لكنه لم يحدث في روح الحزب والعمل.
{ ما السبب برأيك؟
– (شوفي) نحن قبل الإنقاذ مررنا بعملية تربية طويلة جداً، بعد الإنقاذ تركز الشغل في الجوانب العملية في التنفيذ، والدولة مهامها كثيرة وعلاقات العمل فيها صعبة جداً؛ لذلك أعتقد حدث تحول في روح التضحية والفداء والإخلاص والتفاني القديمة، وهذه أدت إلى تباعد كبير بين الكوادر وأحياناً هناك تنافس في العمل وربما صراعات، وهذه قتلت بمرور الزمن الروح التي تربينا عليها.