السبارس: مزاج البادية الذي يبدد الحنين إلى الأهل
البطانة – يوسف بشير
عادة، يستيقظ الرعاة في سهل البطانة ــ الذي يضم بعض من مناطق ولايات: القضارف، كسلا، نهر النيل، الخرطوم، الجزيرة وسنار ــ مع شروق الشمس. فيتطوع أحدهم بحلب الأنعام التي يرعون بها، سواء كانت بقراً أو ضأناً أو ماعزاً، ويقوم آخر، بإشعال النار، ليضع عليها الثالث (حلة مبنية من طبق السَّكنّ)، ساكباً عليها اللبن والشاي، ثم يتركوه حتى يغدو (تقيل). وبعد ذلك يتراصون عليها، منشدين أشعار اخُتصت بها البادية، أيّ ما يعرف بـ(الدوبيت)، ليبدد عنهم وحشة ليل طويل، إذ إنهم يخلدون مبكراً، بعد صلاة العشاء مباشرة.
هذا الطقس الثقافي الاجتماعي، يصاحب الرعاة عدة مرات في اليوم. فبعد سقي البهائم من الحفائر التي تكون غالباً على بُعد مسافة، أو كما يقولون: (على بُعد جّبدة)، يتركونها في المراعي الخضراء التي رأيناها على مد البصر. فيقومون بإعداد فطورهم، وبعد تناوله يحتسون (السبارس) مرة أخرى، وربما يستبدلونه بالقهوة. وقبيل غروب الشمس بساعة، يجمعون البهائم، في المكان الذي هم فيه، وليس مكان الصباح، رافعين شعار: (محل تمسى ترسى)، ووقتما يرسون، يبدون بإشعال النيران، لتكرار تناول (السبارس)، ولكن هذه المرة يعزف أحدهم على (الربابة)، متخذين من الحنين إلى الأهل والديار لحناً يطربون له.
كل هذا حررناه من أحاديث رفاق “خالد أحمد إبراهيم”، الذين دعونا لتناول (السبارس) قبيل شروق الشمس، أثناء زيارتنا للبطانة الأسبوع المنصرم. سألناه بعد تناولنا الشاي، عن ماذا يمثل (السبارس) لهم بكل طقسه الاحتفائي، فأجاب ببديهة حاضرة: (إنه كيّف البادية الذي يبدد الحنين إلى الأهل).