تقارير

أقل من (12) يوماً لمهلة مجلس الأمن: شبح السيناريوهات.. يُهدِّد الخرطوم وجوبا..!!

آخذة في النفاد، بدأت عقارب الوقت تمضي بسرعة بين الخرطوم وجوبا للتوصل لتسوية في الملفات المختلف حولها بين البلدين، وفقاً للمهلة الزمنية التي حددها مجلس الأمن الدولي في قراره (2046)، والمقرر أن تنتهي في (21) سبتمبر الحالي، باعتبارها الجولة الأخيرة في المفاوضات بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا للتوصل لاتفاق شامل بين الدولتين. وعلى الرغم من أن مواقف وفدي التفاوض في الدولتين كانت أكثر تفاؤلا خلال بدء الجولة الحالية بالتوصل إلى تسوية سلمية شاملة في القضايا كافة محل الخلاف بينهما، رغم ضيق المهلة المحددة، لكن ثمة سيناريوهات محتملة بدأت تطل على الأفق بعد أن سارع مجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركية إلى اتهام الخرطوم وجوبا بالفشل في التفاوض بشأن القضايا المهمة، على رأسها ترسيم الحدود وتحديد المنطقة العازلة منزوعة السلاح، وأكثر ما يخشاه المتابعون أن يتوصل الطرفان إلى طريق مسدود في ملفي الأمن والحدود، ما يؤدي إلى رفع الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” مقترحاته إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي ومن ثم إلى مجلس الأمن الذي سبق وأن هدد بفرض حلوله حال فشل الطرفين.
واستبق مجلس الأمن الدولي جولة المفاوضات الحالية، باتهامه للسودان وجنوب السودان، بالإخفاق في التوصل إلى اتفاقيات بشأن القضايا محل الخلاف بينهما. وقال رئيس مجلس الأمن الدولي السفير الألماني “بيتر ويتيغ”، إن أعضاء مجلس الأمن عبروا عن أسفهم إزاء فشل السودان وجنوب السودان في التوصل إلى اتفاقيات في الموعد الذي حدد له (2) أغسطس الماضي. وأضاف أن الطرفين فشلا في التفاوض بشأن القضايا المهمة، مثل ترسيم الحدود وإقامة منطقة منزوعة السلاح وتشكيل طاقم مشترك للتحقق من الأوضاع على الحدود مع حلول تلك المهلة، كما أنه لم تسو أيضاً قضية الوضع النهائي لمنطقة أبيي.
وجرى إطلاع المجلس على الوضع بين السودان وجنوب السودان من خلال دوائر فيديو مغلقة من جانب “هايلي منقريوس” المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان وجنوب السودان، ووسيط الاتحاد الأفريقي “ثابو أمبيكي”.
وبدأ موقف الولايات المتحدة الأميركية أكثر تشدداً تجاه السودان من مجلس الأمن، بعدما انتقدت سفيرة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن “سوزان رايس”، الرفض الدائم للسودان لقبول إنشاء منطقة عازلة اقترحها الاتحاد الأفريقي في نوفمبر الماضي، معتبرة أن هذا التصلب (يثير الشك حول رغبة الخرطوم) في التوصل إلى اتفاق واعتبرت “رايس” أن هذا الرفض يعيق إنشاء منطقة حدودية منزوعة السلاح وآمنة وتشكيل آلية مشتركة لمراقبة الحدود، وكذلك يزيد من خطر استئناف نزاع مفتوح بين البلدين.
وقالت “رايس” إنه يجب أن يعمل الطرفان بالحد الأدنى اعتباراً من الآن مع الشركات النفطية لاتخاذ الإجراءات التقنية التي تؤدي إلى استئناف إنتاج النفط فور التوقيع على اتفاق شامل. ودعت “رايس” الخرطوم إلى أن تطبق فوراً برتوكولاً موقعاً حول وصول المساعدات الإنسانية إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، الذي يشهد أزمة إنسانية متصاعدة. وأكدت أنه تجاه هذا الأمر الملح، فإن تردد الخرطوم أمر غير مقبول، على حد تعبيرها.
بيد أن الحكومة هي الأخرى سارعت على لسان وكيل وزارة الخارجية السفير “رحمة الله محمد عثمان” بالرد الرافض لتصريحات سفيرة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن “سوزان رايس”، واعتبرها أحاديث إستباقية غير مقبولة في وقت يتفاوض فيه الطرفان.
ووصف “رحمة الله” تصريحات “رايس” حول المنطقة العازلة وشكوكها نحو رغبة الخرطوم في التوصل لاتفاق بقوله (هذا يعبر عن نواياها غير الحميدة، فكان حري بها أن تنتظر ما ستسفر عنه جولة التفاوض الحالية بين الخرطوم وجوبا)، بينما قال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة السفير “دفع الله الحاج علي” أنه كان الأحرى بمندوبة الولايات المتحدة أن تنتظر مآلات المفاوضات الجارية حالياً في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، مبيناً أن جميع أعضاء مجلس الأمن أكدوا ضرورة انتظار مخرجات التفاوض بين الدولتين.
ولم يخف مراقبون تخوفهم من سيناريوهات (محبطة) حال فشل المفاوضات الحالية، مشيرين إلى أن حديث مجلس الأمن وتصريحات “رايس” جاءت بغرض الضغط على الخرطوم للقبول بمقترحات رئيس الآلية الأفريقية “ثابو أمبيكي” وقبول خارطة الطريق الأفريقية وخريطة الحدود وقبول الحكومة بضم الميل (14) لدولة الجنوب. ويقول المحلل السياسي الدكتور “صبحي صفوت فانوس” في رده على سؤال حول ما إذا كانت الفترة المتبقية كافية لحسم الملفات العالقة والتوصل إلى اتفاق شامل يطوى الملفات كافة، أن الأمر يعتمد على المرونة التي يمكن أن يبديها الطرفان في التفاوض خاصة في الملف الأمني.
وتوقع “فانوس” أنه في حال فشل وانهيار جولة المفاوضات الحالية يبدأ مجلس الأمن الدولي في فرض عقوباته على السودان أو الطرفين معاً، لكنه لم يتوقع شكل العقوبات. ويضيف أنه في حالة فشل التفاوض سيستمر التدهور في العلاقات بين الخرطوم وجوبا وستظل الحدود مغلقة بين الدولتين، وأن السيناريو سيكون محبطاً، أما في حال التوصل لاتفاق بين الدولتين، فإنه سيتم التطبيع الكامل للعلاقة بين الخرطوم وجوبا، وسيسرى اتفاق البترول، وتكون العلاقة مفتوحة بين الجانبين، ويتوقف كل طرف عن دعم معارضة الطرف الآخر، وسيحدث السلام بين الدولتين، لكن في حال الفشل يكون السودان خسر الجنوب والسلام معاً.
ويتفق المحلل السياسي الدكتور “الطيب زين العابدين” مع تصريحات سفيرة الولايات المتحدة الأميركية “سوزان رايس” بأن مواقف الحكومة السودانية متصلبة، خاصة فيما يتعلق بتمسكها في ملف الحدود، مشيراً إلى أنه لابد من التوصل إلى اتفاق حول (خط الصفر) الذي يمتد (10) كلم شمال و(10) كلم جنوب في الدولتين، وأن يتم اتفاق مبدئي بحسب مقترح الوساطة الأفريقية حول المنطقة العازلة، باعتبار أن الخطوة ترسيم مؤقت وليس ترسيماً نهائياً، منوها إلى أن الحكومة سبق وأن اشترطت فرض (36) دولاراً كرسم لعبور، وترحيل برميل النفط الجنوبي، وعادت لتقبل بـ(9.1) دولار في اتفاق النفط الأخير.
ويمضي “زين العابدين”، في حديث لـ(المجهر)، بالقول إن الحكومة خلال التفاوض تساوم بعقلية وروح التجار، مشيراً إلى أن المشكلة في الحدود تتعلق بضم وإضافة الميل (14) ـ (سماحة) لجنوب السودان، وأن المناطق المتنازع حولها تتمثل في (جودة، المقينص، كاكا التجارية، وكافي كنجي)، مشيرا إلى أن الحكومة سبق وأن اعترفت بعد تشكيل لجنة حكومية بأن منطقة سماحة منطقة نزاع، لكن عادت ورفضت أن تتبع المنطقة لجنوب السودان.
ويذهب إلى أن مواقف الحكومة دائماً ما تكون متشددة، وأن مجلس الأمن حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الخرطوم وجوبا من شأنه أن يتدخل ويتبني المقترحات التي يتوصل إليها الاتحاد الأفريقي ومقترحات “أمبيكي”. ويؤكد أن مواقف الحكومة دائماً ما تكون غير مقبولة وغير عقلانية، حينما ترفض التفاوض مع قطاع الشمال، قائلاً: (الحكومة موقفها يصعب الدفاع عنه)، ويقول إن الحكومة يفترض أن تصل إلى حل وسط حول الميل (14) والتفاوض مع قطاع الشمال.
ويخشى المحلل السياسي “الطيب زين العابدين” من أن يمتعض الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” ويزهد في الطرفين، ويرفع تقريره لمجلس السلم والأمن الأفريقي الذي بدوره يرفع تقريره لمجلس الأمن، وحينها تتضرر الحكومة ودولة جنوب السودان معاً. وقال إنه غير متفائل بوفدي الطرفين في التوصل إلى حلول، لكن في آخر اللحظات يمكن قبول الطرفين بالمنطقة منزوعة السلاح، وأن التفاوض مع قطاع الشمال يمكن أن يتباطأ قليلاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية