الظل.. مصير السياسيين المقربين من الزعامات!
بقلم/ عادل عبده
دفتر التاريخ في جميع أنظمة الحكم في العالم، سواء كانت شمولية أو ليبرالية يرسم صورة واقعية لنهايات الوصول إلى الظل التي تحوز عليها القيادات السياسية المقربة من الزعامات الحاكمة، فهنالك الكثير من الأمثلة والأحداث التي تدل على هذه الصورة الحقيقية، ولا أحد يعرف مركب المعادلة الكيمائية التي تعطي المؤشرات الصحيحة حول مغادرة هؤلاء المقربين مواقعهم الساطعة إلى مدارج الظل والسكون.
في الواقع المعاصر.. كم تضرر “عبد الحليم خدام” وزير خارجية سوريا في عهد الرئيس الراحل “حافظ الأسد”، من قوة سطوته ولمعانه الواضح، حيث ذهب إلى عالم المنفى والسكون، وفي الولايات المتحدة الأمريكية رفض الرؤساء الجمهوريون الذين جاءوا للبيت الأبيض، الاستفادة من خبرات وذكاء وزير الخارجية الأسبق “هنري كيسجنر” بسبب ألمعيته وشطارته والإعجاب الشديد الذي وجده على جميع المستويات في عهد الرئيس “نيلسون”.
مما لا شك فيه أن النور الساطع يحرق، والإضاءة القوية تكشف الملامح الداخلية، والمصابيح المتوهجة تحرك سكون السخط والحسد، فهؤلاء القيادات الذين يحوزون على النفوذ واللمعان بسبب قربهم من الزعامات الكبيرة، يجلسون على كراسي ساخنة ومتوهجة، ويتولون مواقع حامية من نار، حيث يتعرضون للمحاكمة اليومية والنقد اللاذع والهجوم الكاسح من المجتمع والمجالس بلا هوادة، فالخيال الجامح من أساطين المجتمع يصوب سهامه نحو الجالسين على مقربة من الزعامات، والمغنطيس الجاذب يتوجه إلى فضاءاتهم وأحوالهم، بمستوى عالٍ من المتابعة الدقيقة.
في العهد المايوي دفع الدكتور “بهاء الدين محمد إدريس” فاتورة باهظة، لأنه كان من المقربين للرئيس “النميري” وكاتم أسراره، وكذلك ذهب “أبو القاسم محمد إبراهيم” إلى الظل بعد تصاعد نفوذه في مايو على شكل متوالية هندسية، وفي الإنقاذ أمامنا صورة حية للمصير الذي وصل إليه الفريق “طه عثمان” بعد أن كان ملء السمع والبصر وصاحب النفوذ الساطع في السلطة، حيث ذهب إلى عالم السكون والمنفى على سرعة البرق بالشواهد الدالة.
من الواضح أن هؤلاء المقربين يستمدون نفوذهم من صاحب السلطة الأصلية، ويحوزون على البريق والقوة من الزعيم القابض، فهم يتحركون بهمة وخفة لإثبات وجودهم وتقوية الثقة فيهم أمام المجتمع، وبذلك تنهال عليهم أمطار الغيرة السياسية والمحاربة المكتومة بصورة منتظمة.
السؤال المركزي لماذا يذهب إلى الظل والسكون هؤلاء المقربون من القيادات الكبيرة، ولو بعد حين؟.. فالواضح أن الصعود إلى القمة والتقرب من السلطان الحاكم في ظل تعليقات المجتمع وأنظار المراقبين السياسيين ومخاطر الآلة الإعلامية، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث التدحرج إلى الدرج الأدنى وبلوغ الخطوات المعاكسة التي تطمس وجودهم وبريقهم، فالقادة الكبار سيجدون أنفسهم مجبرين على التخلص من أولئك المقربين ورسم آليات التغيير على وجودهم في سياق الحرص على انسياب دولاب الحكم بشكل سلس، وخلق الاستقرار المطلوب وإطفاء نيران الضجيج والشائعات على بطارية النظام، علاوة على تطبيق فرضيات الإحلال والإبدال.
هؤلاء المقربون يحاولون القول إننا موجودون هنا في سلك القرار والسلطة، وإن دورنا في كل مسار وكل نقطة، وهم يقولون ذلك بحكم اقترابهم من القائد الملهم، بل إن المجتمع في بداية نفوذهم يحاول منحهم أدواراً كبيرة تفوق طاقتهم ودورهم المرسوم حتى يصاب بعضهم بالغرور والخيلاء، ثم تكون نهايتهم في آخر المطاف فراق السلطة والصولجان مهما كانت قوة بصماتهم التي تركوها عندما كانوا بجانب السلطان.