أم القرى
آخر محطات زيارة الرئيس لولايات دارفور كانت منطقة أم القرى الواقعة شمال غرب نيالا عاصمة الولاية، وهي تتبع لمحلية “مرشنق” وربما يسأل البعض ما معنى كلمة “مرشنق” التي تردَّدت في الأسافير وأبواق الإعلام بفضل زيارة الرئيس لها ومخاطبة الحشود الجماهيرية في القرية التي ولدت منذ نحو ثلاثة عشر عاماً، ولكنها كانت قرية منسية مثل مئات المنسيين في هذا البلد حتى فتح الله بشاب اسمه “محمد حمدان دقلو” الشهير بالفريق “حميدتي” ليصنع من رماد النسيان وهامش مضارب العرب الرحل والمزارعين التقليديين شيء كبير وواقع جديد ومنطقة حضرية أضاءت مولدات الكهرباء القرى وطردت الظلام.
أم القرى ليست استثناءً ولا نسيجاً وحدها فقد صنعت السلطة وصنع المال والشعر والموسيقى مدناً مثلها في بلدان أخرى من العالم وفي المغرب صنع الوزير “محمد بن عيسى” من قريته “أصيلة” اسماً عالمياً يتردَّد صداه من نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية إلى بلاد البلقان وعرف العالم مهرجان أصيلة للشعر أكثر من معرفة ميناء طنجة رغم أدب “محمد شكري” الذي يمثِّل صورة شاخصة لواقع الحياة في تلك المدينة وعرف العالم منطقة “قم” في إيران بالإمام “الخميني” وعرفت الدنيا امرأة اسمها “بلقيس” بشعر “نزار قباني” فلماذا لا يقدِّم الفريق “حميدتي” للدنيا قرية في السابق ومدينة في الحاضر اسمها أم القرى بدارفور؟.
في تلك القرية تمازجت مجموعات قبلية عديدة تكوينات أثنية شتى جمعها “حميدتي” وشقيقه الأكبر “عبد الرحيم” وهزموا بذلك كل دعاوى العنصريين من قادة الحركات المسلحة وهم في سعيهم الدروب من أجل أهدافهم لإسقاط النظام سعوا جاهدين للتفريق بين الفور والعرب والداجو والتنجر والحوطية والسلامات وحازم والزغاوة وكأنهم يريدون التفريق بين الأب وابنه، وقد جمعت منطقة أم القرى كل سحنات دارفور تحت سقف التنمية بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية في كل الإقليم الذي أطلق عليه في يوم ما، اسم دارفور أرض العذاب.
شاهدنا في أم القرى كيف يجتمع أهل دارفور حينما تقودهم نخبة مدركة لخصائص المجتمع السوداني الذي وحدته الأرض والمصالح والدين الإسلامي والطريقة التيجانية التي تمتد من المحيط إلى الخليج وأم القرى التي استقبلت الرئيس “البشير” يوم (السبت) الماضي، بكل مكوناتها على ظهور الإبل والسيارات وسيراً على الأقدام ودلالات ما حدث في أم القرى يثبت بعض الحقائق المهمة.
أولها: إن المواطنين مع “حميدتي” وأن تسجيلات “موسى هلال” لا أثر لها في أرض الواقع، وأن القواعد مع الدولة ومع قوات الدعم السريع وولاء هؤلاء للدولة لا الأفراد مع ارتفاع صوتهم.
ثانياً: إن دارفور قد تعافت حقيقة من آثار الحرب وفتحت صفحة جديدة وعهد آخر في مسيرة الوطن العزيز.