تقارير

"البشير" في نيالا البحير.. ثلاث رسائل في بريد واحد

أنهى جدل استحالة الوصول لمعسكرات “كلمة”
نيالا: يوسف عبد المنان
قطع رئيس الجمهورية، المشير “عمر البشير”، أثناء زيارته لولاية جنوب دارفور، التي تمتد لثلاثة أيام بأن الحكومة لن تتراجع عن جمع السلاح من خلال مرحلتين أولى طوعية وثانية قهرية لمن يرفض تسليم أسلحته، وأكد “البشير” الذي كان يخاطب حشداً كبيراً في مدينة نيالا أن الحكومة ساومت أهالي دارفور بالتنمية مقابل الأمن، وقد تحققت حتى الآن نجاحات كبيرة بعد انقشاع سحابة التمرد وفتنة الصراع القبلي التي أقعدت بولايات دارفور وحرمتها من فرص النمو والازدهار.
الرسالة الأولى
*وضع الرئيس بصورة حاسمة رسالته الأولى في صندوق بريد المعارضين لبقاء والي جنوب دارفور الحالي المهندس “آدم الفكي”، من منسوبي حزب المؤتمر الوطني الذين بلغ بهم الشقاق والسعي لإزاحة “الفكي” عن موقعه أن وصف الوالي الأسبق “حماد إسماعيل” معارضته لحكومة “الفكي” بالثورة التي انطلقت لاقتلاع رموز نظام هو واحدا من صناعه، وقال “علي محمود” وزير المالية الأسبق إنهم سيقتادون الوالي لساحات التقاضي، حتى فاجأهم “البشير” بوضع ثقته المطلقة في المهندس “آدم الفكي”، وقال إنه خياره الشخصي لإدارة شأن دارفور وهو يعلم قدراته وإمكانياته، ولأن نيالا حبيبة لنفسه منذ قدومه إليها لأول مرة قبل خمسين عاماً اختار لها والياً مجرباً وسياسياً ناجحاً، وبهذه العبارات وضع الرئيس بعض منسوبي حزبه في حرج بالغ وقد أصبحوا محل سخرية وتندر بعد أن حرض بعضهم متمردين من معسكر “كلمة” للتظاهر رفضا لزيارة “البشير” للمعسكر، لإثبات فشل الوالي بأية ثمن، كما قال بذلك معتمد نيالا شمال “إسماعيل يحيى” وهو من القيادات الداعمة بشدة بقاء الوالي في موقعه قبل أن يحسم الرئيس الجدل وينهي الصراع بحزم شديد.
الرسالة الثانية
هي رسالة غير مباشرة في بريد الذين يشيعون بأن عامل السن والقدرة على الأداء يفرض على “البشير” التنحي في 2020وتقديم مرشح جديد لوجود نص في الدستور يحدد عدد الدورات التي ينبغي أن لا يتجاوزها الرئيس في كرسي الحكم.
بدأ الرئيس في كامل عافيته البدنية والنفسية وقد مكث لمدة في ولاية غرب دارفور خاطب فيها ثلاثة لقاءات جماهيرية وقطع مسافة أكثر من سبعمائة كيلومتر متنقلا بين محليات فور برنقا ودامرة شكري ومحلية الجنينة بالطائرة المروحية، ولم يبدُ على “البشير” الرهق أو العجز بل حينما وصل نيالا أمس بعد أن تأخر إقلاعه من دار اندوكا، بسبب مخاطبته للقاء بضباط وصف ضباط وجنود الفرقة الخامسة عشرة مشاة.
صافح “البشير” أكثر من مائة من القيادات والعشائر والوزراء وكان لافتاً مداعبته وقفشاته مع زعماء القبائل، ثم اتجه إلى ساحة ميدان الشهيد “السحيني” الذي فاض بآلاف المواطنين وتحدث لأكثر من ساعة ثم يتوجه عند الساعة الثالثة لمحلية قريضة الشهيرة (قريضة أم ضل)، التي يقطنها نحو ثلاثمائة ألف نسمة، أغلبهم من المساليت وكانت قريضة قد سقطت في يد التمرد مجموعة “مني مناوي” وإذا الرئيس قد أمضى كل هذه الساعات في حركة دءوبة فكيف يطالبه البعض بالتنحي وأن لا يستجيب لمطالب القوى الاجتماعية بالترشح مرة أخرى.
 “البشير” بهذا النشاط والحيوية ورسالة العطاء تهزم ادعاءات البعض عن عدم مقدرة الرئيس الذي في واقع الأمر أكثر حيوية من قبل عشر سنوات، خاصة بعدما خفف عنه رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق “بكري حسن صالح”، أعباء الحُكم التي أثقلت كاهله قبل تعيين “بكري” وإسناد كثير من الملفات التي كانت ترهق كاهل الرئيس.
الرسالة الثالثة
هي الأبلغ والأكثر إثارة في الواقع السياسي الراهن، وذلك بتوقيع أكثر من مائة من الشيوخ والشراتي وزعماء قبيلة المساليت على مذكرة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأفريقي ولوزارة العدل السودانية عن عفوهم عن أية قطرة دم سفحت في فترة الحرب، وتنازلهم عن الدعوى التي رفعتها أسماء من الذين وقعوا على مذكرة العفو أمس للمحكمة الجنائية الدولية قبل سنوات من الآن، وإعلان طي صفحة قادت بعض المسؤولين في الحكومة إلى ساحات القضاء الدولي.
وفي عام 2006 وقعت بعض من القيادات التي عفت أمس وتجاوزت عن ما حاق ببعض الضحايا جراء احتلال التمرد لتلك المنطقة ومحاولة القوات المسلحة استردادها مما أدى لوقوع أبرياء ضحايا لعمليات الفر والكر التي شهدتها منطقة قريضة الواقعة جنوب نيالا، وحينما تحدث “محمد يعقوب” المك في اللقاء الجماهيري عشية أمس “الخميس”، قال إن مواطني تلك المحلية يصفحون عن كل ما حاق بهم من ظلم، ويعلنون أمام الرئيس عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، التي تعتبر من أغنى السهول المنتجة للفول السوداني والدخن والسمسم، الشيء الذي جعلها عُرضة لأطماع التمرد.
وتمسكت قريضة بتقاليدها وموروثاتها وحينما طالب “المك محمد يعقوب” الرئيس بأن يبقي على الوالي “آدم الفكي” لحياده في الصراع القبلي، رفع المك (سفروقه) عاليا، والسفروق كما يُسمى في كردفان، و(السفروك) كما يُسمى في دارفور، عبارة عن عصا ذات إنحناءة ورأس مدبدب، وتستخدم في صيد الطيور البرية والدفاع عن النفس، حينما كان القتال بالسفاريق لا تتعدى خسائر النزاعات المسلحة بضع جروح، ولكن اليوم السلاح الناري يحصد الأرواح بلا حساب، لذلك خصص الرئيس في كل خطبه حيزاً لقضية جمع السلاح، وقال بعبارات قاطعة إن الدولة لن تترك الشعب مسلحاً ليعبث بالأمن وحديث “البشير” عن ضرورة جمع السلاح أنهى جدل بعض المشككين ممن يهونون من برنامج جمع السلاح، فالرئيس “البشير” دعم جهود نائبه “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي تصدى لمهمة عسيرة، لكن الرئيس جسر الكثير من الفجوات وسد عديد من الثغرات وهو يخاطب أمس محليات نيالا وقريضة، قبل أن يدخل هذا الصباح معسكر “كلمة” ويقتل شجرة (المرفعين) وينهي الجدل حول استحالة الوصول لمعسكرات كان في السابق يقودها “عبد الواحد محمد نور” لكن اثنين من ولاة دارفور كسرا الجدار العازل بين المعسكرات والحكومة، أولهما كاشا، وثانيهما الآن “آدم الفكي” الذي يلقب في جنوب كردفان “بكولن باول” لشجاعته وصرامته.
خيول قريضة ..
المنطقة الوحيدة في العالم التي لاتزال تحتفي بتربية الخيول لأغراض الركوب وحمل الأمتعة، وهي المثال الحي والتطبيق العملي للآية القرآنية الخيل والبغال والحمير لتركبوها.
زينة ولحمل المتاع والقتال، هي ولايات دارفور التي تعتبر الخيل من أغنى الثروات ولا يعرف عدد الخيول بدارفور ويزداد عددها، لأنها لا يؤكل لحمها ولا تصدر للدول الخارجية، ويعتبرها أهل دارفور ركوب عزة وكبرياء، وليس هناك قبيلة في دارفور لا تقتني الخيول، ولذلك تقدم هدية للضيف العزيز، ويختلف سعرها تبعا لنوعها بعض الخيول يتجاوز سعرها المائة مليون جنيه، وقد اختار المساليت في قريضة أفضل مهرة حمراء اللون تسر الناظرين، وقدمتها هدية للرئيس “البشير”، وكذلك مهر (احو) أي أحمر يميل إلى السواد هدية إلى “البشير”، الذي أمسك بحصانه من لجامه وهو مزهوا جدا بحميمة أهله المساليت الذين خرجوا للقائه كما لم يخرجوا من قبل.
أبناء الغرب يحيطون “بالبشير”
أحاط أبناء كردفان ودارفور بالرئيس “البشير” وهم يصنعون القرار في الدولة يقررون في مصائر السودانيين، واختار “البشير” واحداً من كفاءات السودان الإدارية والاقتصادية، وجعله الوزير الأول في القصر الجمهوري، إنه الدكتور “فضل عبد الله” اقرب الوزراء للرئيس وموضع ثقته والممسك بأسرار القصر وماله، وهو من أبناء شمال دارفور، ومن منطقة أهلنا الميدوب الصابرين على ظلم الطبيعة لهم وحراس الصحراء، و”فضل” هو موضع ثقة الرئيس، وإلى جواره د. “فيصل حسن إبراهيم”، وزير ديوان الحكم الاتحادي، وهو من قيادات كردفان محلية أم روابة، ومن أقاصي دارفور ودار زغاوة يعتبر “بحر إدريس أبو قردة” المتمرد السابق هو الأقرب “للبشير” من “معتز موسى” الذي تربطه “بالبشير” وشائج الرحم والدم، ويعتبر القائد “محمد حمدان حميدتي” من بادية أم القرى شمال غرب نيالا، والتي يختتم بها “البشير” زيارة جنوب دارفور، من اقرب قيادات الدولة إليه بل يقول “حميدتي” لولا “البشير” ما كان الدعم السريع، وكان السودان كدولة في مأزق.
إذا كان كل هؤلاء القيادات هم من يقررون في مصير السودان، فكيف يدعي الأدعياء بأن غرب السودان مهمش، وأن الوزراء والمسؤولين من أبنائه مجرد موظفين (ساكت) والقسمة العادلة اليوم في شأن الحكم هو من هزم دعاوى التمرد وشعارات التهميش.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية