خربشات
1
كانت مدينة نيالا تعيش وقع زيارة السيد رئيس الجمهورية، طوال الأيام الماضية المعارضة في المهاجر بعد أن كانت تمني نفسها الأماني بإسقاط النظام ببندقية التمرد من الأطراف زحفاً حتى بلوغ الخرطوم ، ولكنها فتحت عينيها على واقع الهزيمة في الميدان ولم يتبقَ لها إلا تظاهرات احتجاجية قررت جماعات المعارضة تسيرها مناهضة لزيارة “البشير” وحتى هذه فشلت في تضخيمها وتسويقها في الأسافير، رغم أن وزيرا سابقا قد بعث بربع مليار من الجنيهات لأنصاره من الفاقد الدستوري لإسقاط الوالي كهدف أول وإفشال زيارة الرئيس كهدف ثانوي.
بين هذا وذاك خرجت نيالا في صباح خريفي معطر بندى دعاش المطر في أخريات أيام الخريف، وبدأت نيالا كحسناء الدينكا التي تزف “لملوال ” تحيط بها الصبايا والحسان والجميع في انتظار وصول الرئيس الذي كلما تأخر زاد الناس حماسا للبقاء في ميدان الشهيد “السحيني” لتقول الجماهير كلمتها وتبعث برسالتها “لعبد الواحد نور” الحائر في غربته بعد أن تمردت عليه معسكرات التمرد وأصبح الحديث في نيالا هل يخاطبها “البشير” أم تتمنع عليه؟ وتتمادى في عنادها القديم.
2
•كانت نيالا يوم أمس مدينة مختلفة بدلت الأيام قيادات كان لها بريق وصيت وجاءت قيادات من صفوف الجماهير المؤتمر الوطني بشخوصه القديمة قد تغير ومفاهيم الزمان السابق قد طواها الزمن ما عاد “حماد إسماعيل” و”حبيب مختوم ” و”علي الحاج” ود. “الحاج آدم” يشكلون حضورا في ساحات المخاطبات الجماهيرية ولا يتعلق بهم أحد جاء من رحم الجماهير العريضة قيادات تفكر بطريقة مختلفة وبعطاء لا يعرف الاتكاء على الماضي الآن الفريق “حميدتي” أصبح رقما كبيرا جدا بعرق جبينه وخدمة ضراعه ، لا يقول كان والدي من أغنياء دارفور ولا يقول كنت قريبا من شيخ فلان، ولكنه يتذكر في معركة كذا دفنا فلان شهيدا وجاء “محمد العاجب إسماعيل” الذي يسبق اسمه صفة علمية ضخمة دكتور لكن جماهير نيالا التي أحبته معتمدا مستشار تحفظ لأمثال “محمد العاجب” الثبات ساعة المحنة، ونيالا اليوم هي “إسماعيل يحيى” ابن محلية شمال المدينة الذي ترك حزب الأمة ، ولكنه لم يبصق على تأريخه وهو اليوم واحد من رهانات المؤتمر الوطني لأية استحقاق انتخابي قد يأتي في مقبل الأيام ومعه مئات القيادات “حامد عبد الله حماد” و”عمر عبد الجبار” و”موسى كرامة” و”محمد عبد الرحمن مدلل” و”طه” وزير التخطيط العمراني و”فرح مصطفى” الوزير الخرطومي الذي نأى بنفسه عن صراع الديك والصقر؟ أما من هو الديك ومن هو الصقر ، فتلك قصة نعود إليها بعد أن نروي شيئا من طرائف وقصص النائب البرلماني “محمداني هبيلا “.
3
قيل إن (الفراريج) صغار الدجاج، وهؤلاء مستهدفون من (الصقر الحدية)، حيث يتعرضون للخطف من الصقور التي تتغذى على صغار الطيور، وحينما يهاجم الصقر الجارح (كور الجداد) يهرول الديك الكبير أمام الفراريج الصغار، مع أن الصقر الحدية لا يستطيع اصطياد الديك بل يتربص بالصغار.
في أحد الأيام قيل إن الفراريج سألوا أبوهم الديك.. لماذا يخاف من الصقر وهو أكبر منه حجماً؟ فقال الديك لصغاره من الفراريج: (والله عندما كنت صغيرا في سنكم هجم علينا صقرا كبيرا كاد أن يخطفني ومنذ تلك الأيام دخلت فيني خوفة لم تخرج حتى الآن).
وحديث الرئيس أمس (الخميس)، أمام جماهير نيالا ادخل في جوف المعارضة خوفا لن يخرج قريبا.
4
معسكر “كلمة” الذي ينتظر أن يخاطب الرئيس مكوناته صباح اليوم قبل التوجه إلى شطايا يعد أكبر معسكرات النازحين في دارفور، وغالب مكون معسكر( كلمة) من الفور والزغاوة والمساليت والتاما ونشأ جراء هجمات التمرد على قرى محليات كاس ونيالا ومرشنق وتوجهت الآلاف من الأسر إلى المنطقة الواقعة جنوب شرق نيالا وتدخلت الأمم المتحدة بحجة تقديم الخدمات إلى النازحين، ولكنها جعلت من المعسكرات كونتينات لا تستطيع الحكومة الوصول إليها واختار التمرد شيوخا للمعسكرات من الموالين سياسيا للحركات المسلحة وفي غياب خطة حكومية واضحة وخوف من تبعات أية تدخلات في شؤون النازحين ابتعدت الحكومة عن ساحات المعسكرات وخاصة (كلمة) لتصبح هذه المعسكرات بمثابة خنجر مغروس في جنبات النظام حتى جاء الوالي “كاشا” بشخصيته المتصالحة وحكمته ودخل تلك المعسكرات لعب معهم (الكسوك وإبرة ودرت وأكل الكول)، فأحبه الناس جميعا ، ثم بذهاب “كاشا” انسدت الدروب بينهم والحكومة حتى فتحت مرة أخرى في عهد “آدم الفكي” البعيد عن الاستقطاب القبلي والذي خاطب في النازحين وطنيتهم وعقولهم ليبدأ اليوم عهدا جديدا حينما يخاطب النازحين من معسكر (كلمة) وخلافا لما بثته وكالة سودان تربيون المهتمة بالشأن السوداني، فإن الحكومة لم تقل إنها ستقتحم المعسكر الذي ليس به حتى ميدان للعب كرة القدم، بل يخاطب الرئيس معسكر (كلمة) من ميدان المعسكر بالسكة حديد، ولسكان المعسكر حرية التظاهر والاحتجاج وحرية حضور خطاب الرئيس “البشير” الذي مهما كانت ردة الفعل يعتبر حدثا هاما جدا في سياق تطورات قضية دارفور ومجرد مخاطبة الرئيس لهؤلاء المواطنين فإن المراهنين على بقاء المعسكرات كما كانت في بداية الأزمة إنما يراهنون على السراب.
وحتى “الجمعة” القادمة من نيالا سلام.