رأي

بعد ومسافة

الكتابة بالحبر الأحمر دون تصحيح!
مصطفى أبوالعزائم
ظلت هذه المادة التي تطالعها الآن، تلح عليّ إلحاحاً عجيباً، وتدعوني لأن أنفس عما يجيش في دواخلي منذ يوم (الأربعاء) السدس عشر من أغسطس الماضي، وهو يوم تشييع القيادية البارزة السيدة “فاطمة أحمد إبراهيم” إلى مثواها الأخير بمقابر البكري في أم درمان، لكن أحداثاً كثيرة تداخلت وجعلتني أركن إلى مبدأ التأجيل، حتى أنني خشيت أن تبرد نار الانفعال، وتصبح الفكرة مجرد ذكرى يصعب إعادة إحيائها، وقد انشغلت ذلك اليوم ومعي أخي وصديقي مولانا الشيخ “صلاح شيخ إدريس” (ود أم حقين)، بشأن يتعلق بإشهار إسلام صديق مشترك واستخراج الإشهاد الشرعي بذلك من مجمع محاكم محلية كرري، وقد وفقنا الله أن أكملنا ذلك العمل، وهو ما أدى إلى تأخير مشاركتي في التشييع المهيب من بدايته، كما أنني لم أشهد التصرفات الصبيانية التي قام بها بعض منتسبي الحزب الشيوعي السوداني لمنع السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” من أداء واجب العزاء في فقيدة البلاد الراحلة السيدة “فاطمة أحمد إبراهيم” مما أدى إلى عدم مشاركته في الصلاة على جثمانها وفي معيته والي الخرطوم الفريق أول ركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين”، ومعتمد محلية أم درمان “مجدي عبد العزيز”، وقد آليت على نفسي أن أكتب عما حدث في حينه ولكن كما أقول دائماً: (القلم ليه رافع)!
عندما وقعت واقعة المنع الصبيانية ظننت – وليس كل الظن إثم – أن الحزب الشيوعي سيعضد ما قاله به عميد أسرة الراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم”، وهو اللواء الركن “الفاتح محمد عبد العال” والذي أعلن عن تبرؤ أسرة الفقيدة من تلك الهتافات والتصرفات الصبيانية، لكن الحزب صمت، بل أنكر على السيد اللواء الركن “الفاتح عبد العال” أن يكون ناطقاً باسم الأسرة الكريمة، وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي بما هو أبشع وأضل في تأييد ما ذهب إليه بعض منسوبي الحزب الشيوعي من تصرفات تدل على الانفصال التام عبر قيم المجتمع السوداني، مثلما تدل على استغلال الحدث سياسياً رغم أننا جميعاً نعلم أن الذين أمسكوا بقلم التصحيح الأحمر، لم يقوموا بمراجعة كراسات الحزب وتصحيحها في موقفه من الحالة المرضية التي عانت خلالها السيدة “فاطمة” الكثير، وهي حالة معلومة لدى الكثيرين لكننا لا نريد الخوض في مواقف مؤسفة ومخجلة، حيث لم يقم كثير من المقربين للراحلة المقيمة، بالتدخل الإيجابي لصالحها.
ليت الصفحة انطوت على ذلك، وابتلع اللائمون الناقمون ألسنتهم واكتفوا بما حدث، لكن قيادياً بارزاً بالحزب الشيوعي السوداني هو السيد “صديق يوسف” زاد طين الأس بلّة، وخرج بتصريحات ليته التزم الصمت بدلاً عن إطلاقها في صفحات الصحف والفضاءات المفتوحة، فقد أقر الرجل الكبير ما قام به الصبية يوم تشييع الراحلة “فاطمة”، بل قال إنهم كحزب لم يستهجنوا ما حدث بحسبان أنه فعل طبيعي، أو (رد فعل طبيعي) – حرصاً على الدقة – لمنظر مستفز شاهده الذين كانوا في مدخل ميدان الربيع، وقال إن المشيعين ليسوا عساكر يتلقون تعليمات من الحزب بأن أفعلوا أو لا تفعلوا (يا للديمقراطية والحرية داخل أسوار هذا الحزب الذي نعرفه جميعاً مثلما يعرفنا)، وأنكر باستفزاز شديد أن تكون الدولة قد ساهمت في ترحيل الجثمان، و(كلام كتير).
طبعاً السيد “صديق يوسف” لم يشر من قريب أو بعيد لدور الحزب الشيوعي الذي كان قابضاً على مفاصل السلطة بدايات الحكم المايوي، لم يشر إلى دور الحزب وموقف بعض ممثليه داخل مجلس قيادة الثورة في احتجاز وسجن الرمز الوطني العظيم “إسماعيل الأزهري” – رحمه الله_ والتضييق عليه إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة داخل المستشفى بعد أن تأخرت حالته الصحية كثيراً، ليخرج بعد ذلك إعلان الوفاة ضمن نشرة الوفيات بصيغة (توفي الأستاذ إسماعيل الأزهري المعلم بالمدارس الثانوية) دون اعتراف بدوره الكبير في استقلال السودان أو دوره العظيم في قيادة الحركة الوطنية والحزب الوطني الاتحادي.
وربما لم تدر بخلد السيد “صديق” أحداث ود نوباوي التي حصدت مئات الأرواح ولا أحداث الجزيرة أبا ولا كل ما حدث وأسال الدماء.. من خلال تصرفات رعناء لا يمت القائمون بها إلى دنيا السياسة بصلة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية