بعد ومسافة
مستطيعٌ بغيره قادرٌ بهم .. هكذا يكون النجاح
مصطفى أبو العزائم
للذين يتنقلون بين مدن بلادنا المختلفة والمتعددة يعرفون الفرق بين الخرطوم العاصمة في مستويات النظافة والسلوك المجتمعي تجاه بيئة المجتمع، ونحسب أن الكثير من عواصم الولايات هي أفضل حالاً من العاصمة القومية، في جانب النظافة وربما كان في المقدمة مدنٌ مثل بورتسودان والأبيض ودنقلا ونيالا وغيرها من المدن، ولذلك أسبابه، منها ما يرتبط بالسلوك العام للمواطنين وتعدادهم، ومنها ما يرتبط بانفعالهم وتجاوبهم مع السلطة الحاكمة القائمة بأمر الحكم في الولاية، وهذا ما نراه بوضوح كبير في مدينة الأبيض العاصمة الكبرى لكل ولايات كردفان، التي أن مررت بأسواقها القديمة مثل سوق أبو جهل أو أسواقها الحديثة ستلاحظ الفرق بين مستوى النظافة العامة هنا وهناك في أي مدينة أخرى .
لولاية شمال كردفان قانون محلي خاص بالبيئة هو ( قانون حماية وترقية البيئة الحضرية بولاية شمال كردفان لسنة 2016 م) تضمن مبادئ أساسية وأهداف بيئية عامة، وحوى فصلاً كاملاً عن حماية مصادر المياه، تضمن ضوابط إنتاج وتصنيع وتعبئة مياه الشرب، وضوابط نقل مياه الشرب والثلج، مع حظرٍ تام وعقوباتٍ رادعة لإلقاء المخلفات بمصادر المياه، مع وضع ضوابط صارمة لحفر أحواض ودورات المياه، مع المحافظة على مجاري المياه، مثلما تضمن القانون فصلاً كاملاً عن سلامة البيئة في المنشآت الصناعية والتجارية والأسواق، وهو ما جعل الأسواق تبدو لأعيننا ليس مثل بقية الأسواق، فالضوابط تشمل الحد من تلوث البيئة بأنشطة المنشآت الصناعية والتجارية مع وضع ضوابط تحدد أماكن الصناعات والورش ومنع البيع للجائلين، والمنع التام لعرض أو بيع الخضر والفاكهة واللحوم على الأرض، وضبط ذلك من خلال إنشاء أسواق متخصصة مع التصديق لمزاولة الأعمال المرتبطة بصحة الإنسان .
هذا غير التدابير الوقائية لسلامة البيئة من نظافة الأمكنة إلى التخلص من المخلفات الشخصية، مع مواد تختص بتنظيم أعمال تشييد المباني وكل عمل مرتبط بها من حماية منطقة المباني ومواد البناء وإخلاء وقفل وهدم المباني واستخدام المباني السكنية واستخدام المباني والمنشآت الحكومية مع المنع التام لتخزين البضائع في غير الأماكن غير المخصصة لها ومنع السكن الاضطراري، ولم يغفل القانون التخلص من النفايات التي تشمل نفايات الورش والمصانع والمطابع ونفايات المؤسسات الحكومية والشركات والبنوك والمحال التجارية والتخلص من الجيف وبقايا الحيوانات والطيور النافقة، إلى جانب التخلص من النفايات الطبية، وتغطية عربات نقل النفايات مع تحديد واجبات السلطات المختصة في التخلص من النفايات وإزالة الخردة .
القانون يكاد يكون مثالياً مقارنة بكثير من القوانين المحلية في بقية الولايات لأنه تضمن تنظيم الأسواق والأحياء السكنية والمواقف والطرق والميادين العامة مع ضوابط تربية الحيوانات والدواجن والأسماك والمحافظة على الأشجار والحدائق العامة، وربما كان إلزام الجهات المختصة بالقانون على إقامة مهرجان لتجميل المدن بالولاية هو من أهم ما تضمنه القانون لأنه يتضمن تكريم الأحياء والأسواق والمدن والمحليات الفائزة بمنحها جوائز قيمة وتعطي الأولية في خطة الحكومة لخدمات الطرق والإنارة وسائر الخدمات الأخرى وتحدد اللوائح مواعيد تلك المهرجانات والجوائز وشروط المنافسة، ويخوِّل القانون السلطات المختصة ولأغراض تنفيذ أحكام هذا القانون دخول الأماكن بغرض الرقابة والتأكد من تطبيق المواصفات والضوابط والاشتراطات المطلوبة، مع منح السلطات المختصة جواز إزالة المخالفات إداريا وإجراء التسويات الفورية وغير ذلك مما يؤكد على التطبيق الأمثل للقانون .
قانون حماية وترقية البيئة الحضرية لولاية شمال كردفان يكشف عن عقلية تشريعية متقدمة في مجلس يزخر بالشباب والحماس تعمل في توافق تام مع مجموعة حكيمة من الشيوخ، ويجلس على مقعد الرئاسة السيد الدكتور” سليمان البله”، وهو رجل صاحب خبرات في الإدارة والحُكم والقانون إضافة إلى العمل التشريعي إذ كان رئيساً للجنة القانونية لدورتين سابقتين، والمجلس التشريعي يعمل بتوافق تام وتناغم وانسجام مع بقية مؤسسات الولاية الدستورية بدءاً من مكتب الوالي مروراً بالوزراء ومجلسهم الموقر .. لذلك تتحقق النجاحات التشريعية في ولاية يعرف نوابها في المجلس التشريعي حاجتها وحاجة أهلها لما ينظم حياة الناس ويحفظ حقوق المجتمع، وتصبح تجربة شمال كردفان في الحكم والإدارة من التجارب التي تستحق أن تتعرف عليها بقية الولايات، وليت المجالس التشريعية تتبادل الزيارات على مستوى رئاستها وعلى مستوى رؤساء اللجان والعضوية للتعرف على طبيعة عمل بعضها البعض خاصة وأن لكل ولاية طبيعتها وخصوصيتها واختلافها عن بقية الولايات .
النجاحات التي تتحقق في شمال كردفان إنما هي نجاحات يحكمها الأفق المتسع والتعاون المتصل بلا انقطاع بين مؤسساتها المختلفة فالحاكم دائماً مستطيع بغيره قادر بمن حوله، وليت الحكومة المركزية في الخرطوم أطلقت مسابقة قومية بجائزة ضخمة لأكثر المدن السودانية نظافة بحيث لا تقيد المشاركة بالعواصم، أثق شخصياً في أن العاصمة القومية ستكون خارج المنافسة.