عبقرية الحكم
لا يختلف اثنان حول نجاح الحكم الإقليمي في سنوات مايو وما تبعها من سنوات حكم الأحزاب وتمسُّك المواطنين به بوصفه مكسباً لصالحهم، وجاءت الإنقاذ بالحكم الفيدرالي استجابة لمطالب قديمة للجنوب ولم تشأ النكوص عنه بعد انفصال الجنوب، لكن ما جدوى الحكم الفيدرالي إذا لم يحقق للناس تطلعاتهم في التنمية؟.
وإعمار الأرض وقيام المدارس والطرق والمستشفيات وتحقيق طموحاتهم السياسية وإشباع رغباتهم في الحكم وبذلك يتحقق الاستقرار والرفاه. وتعتبر ولاية شمال كردفان أنموذجاً للانتقال من حال إلى حال من الفشل للنجاح ومن حالة الإحباط واليأس إلى الإحساس بالأمل في المستقبل كل ذلك تحقق بوجود قيادة سياسية نفحت في المواطنين أكسجين الحياة، وقبل سنوات معدودة من الآن كان بعض من أبناء كردفان الشمالية قد بلغ بهم اليأس والإحباط والشعور بالتهميش أن تمسَّك بعضهم بأهداب التمرد وأسَّس آخرون تجمع حركة (كاد) وهي مخاض لميلاد تمرد عسكري، وحتى بعض منسوبي المؤتمر الوطني غشاهم الإحباط واليأس بسبب غياب التنمية وتفشي النهب، ومدت حركات دارفور نفوذها وبندقيتها إلى شمال كردفان، ووسط هذا الركام من الإحباط جاء تعيين مولانا “أحمد هارون” في ظروف شديدة التعقيد وبعد إلغاء الحكومة لبداية انتخابات الولاة ومابين رافضين لمبدأ التعيين ومؤيدين لها كان مجيء “هارون” للأبيض بمثابة طلقة أخيرة في بندقية الإنقاذ التي جرَّبت العسكر في حكم الولاية الفقيرة من الجنرال “الحسيني عبد الكريم” والعميد “العوض محمد الحسن” وعضو مجلس قيادة الثورة “فيصل مدني مختار” وجرَّبت الشيوخ ممثلين في “إبراهيم السنوسي”، “معتصم ميرغني” و”أبو كلابيش” وجرَّبت المحامين ممثلين في “محمد الحسن الأمين” وجربت البياطرة ممثلين في “فيصل حسن إبراهيم” وقدَّمت “هارون” قاضي مدني بروح عسكرية وهو مثقف وقارئ وسياسي واقعي شديد الالتزام مع قيادته من الإسلاميين الذين (جيَّروا) كل قدراتهم لصالح الرئيس “البشير” حينما شبت نار الخلاف داخل حزب الإسلاميين الحاكم في تسعينات القرن الماضي طرح الوالي الجديد حينذاك مشروع لنهضة الولاية وتعميرها والنهوض بها من أسفل إلى أعلى، واعتمد الوالي في رؤيته للنهوض بشمال كردفان على مخاطبة ضمير المواطنين وحشد إرادة التغيير في النفوس والثقة في القدرات واستثمر “هارون” ثقة المركز في نظافة يديه من لوث الفساد والحفاظ على المال العام وأصبحت الأبيض في فترة قصيرة قبلة لقادة الدولة ومن بيدهم الأقلام التي تكتب القرارات والتوجيهات، وفي ذات الوقت شعر الناس بأن الأمل في الغد وأن ابن حي ود الياس الذي صنع ربيع كردفان الجنوبية قد هبت الآن رياح الشمال لينتفع من إمكانياته، وقد نجح “هارون” في استثمار كل عوامل النجاح لمشروعه السياسي والاجتماعي، ولم يمض وقت طويل حتى رأى كل صاحب عين لم يغشها رمد الغرض وغشاوة الحسد كيف تدفقت مياه بارا في شبكة مدينة الأبيض، وكيف تمدد الأسفلت من بارا قاصداً أم درمان عبر رمال دار الريح، وكيف تم تدارك انحدار التعليم إلى أسفل من خلال مشروع نهضة التعليم، وقد أصبحت الأبيض رياضياً المدينة الأولى بعد أم درمان وأصبح هلال الأبيض ممثل السودان الوحيد في البطولات الأفريقية .
وحساب الجرد الذي قدَّمه مولانا ووزراء حكومته طوال يومي (الخميس) و(الجمعة)، وجزء من يوم أمس (السبت)، يكشف عن عزيمة وإصرار وثقة بالنفس نحو النهوض من مستنقع الفشل إلى النجاح والشهادة العملية التي قدَّمها “هارون” وحكومته لصالح النظام الفيدرالي لم يقدِّمها مؤتمر تقويم وتقييم الحكم اللامركزي الذي انعقد العام الماضي وخرج بتوصيات هي عين ما سبقته إليها ولاية شمال كردفان وهي تستنهض همة الإنسان وتجعل منه شريكاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وتبسط جناح المشاركة في الرأي والتواضع وقبل ذلك اليقين بأن المال القليل المستقطع من الرواتب وجنيه النهضة المستقطع من تذكرة البصات وجوال الويكة وملوة البصل لا يذهب لجيوب القطط السمان، ولكنه يعود للمواطنين بالنفع والخير والرفاه، وقبل كل ذلك الأمل في المستقبل (السه سنينو طوال) أو كما قال ابن الأبيض السفير “محمد المكي إبراهيم”.