تقارير

حرب المياه .. معادلة المصالح تشعل صراع التكتلات!!

{ فتح إعلان دولة جنوب السودان نيتها الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، المعروفة باسم (اتفاقية عنتيبي).. فتح الباب واسعاً لأسئلة مفخخة طالما تجنبت الخرطوم والقاهرة الوطء عليها، نظراً لحساسية القضية وتعقيداتها التنموية التي غالباً ما تتمظهر في أشكال سياسية – بحسب مراقبين.
فكيف ستكون مطالب حكومة جنوب السودان، وعلى أي أسس تريد زيادة مياهها ، وإلى أي مدى ستوافق حكومتا الخرطوم والقاهرة؟! وتظل مثل هذه الأسئلة وغيرها تبحث عن إجابات عادلة لتلافي خطر الدخول في حرب مياه أو ربما تكتلات إقليمية تبحث عن مصالح سياسية وأجندة خارجية مغطاة بمياه النيل.
{ سفير دولة جنوب السودان بالقاهرة “أنتوني كون” طالب مصر بإسقاط معارضتها للاتفاقية الإطارية، منوهاً إلى أن بلاده ليس لديها التزام للانضمام أو الاعتراف باتفاقيات مياه النيل، مثل اتفاقية العام 1959 بين مصر والسودان، حيث أنها لم تكن دولة مستقلة حينها.
وكشف “كون” في مؤتمر صحفي – نهاية الأسبوع الماضي في القاهرة – أن بلاده ترغب في الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية، حاثاً دول حوض النيل على حل خلافاتهما من خلال الحوار، قائلاً: (الخرطوم والقاهرة ينبغي أن تعيدا النظر في موقفيهما).
{ لكن مراقبين ومحللين يعتقدون أن الأمر لا يعدو أن يكون خطوة سياسية لتكتل إقليمي تنوي حكومة جوبا الدخول فيه، مدللين بأن الجنوب لا يحتاج إلى مياه النيل بسبب هطول الأمطار العزيرة على اراضيه، التي تستمر لمدة (9) أشهر .
{ وبحسب اتفاقية مياه النيل لعام 1959 فإن (18) ملياراً ونصف مليار متر مكعب من المياه للسودان، و(55) ملياراً ونصف مليار لمصر، وعشرة مليارات من الأمتار المكعبة تضيع في البحر من سطح البحيرة بالغ الاتساع.
وبحسب الخبراء فإن جنوب السودان لا يحتاج إلى كمية كبيرة لأن مقدار الهطول المطري فيه يصل إلى (540) مليار متر مكعب في السنة، وهو يعتمد على الأمطار في الزراعة، وإذا احتاج كمية مياه من مجري النهر ستكون محدودة للغاية.
{ وأشارت استاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري “أميرة همت” إلى أنها توقعت انضمام جنوب السودان لاتفاقية (عنتيبي) في مؤتمر عن حوض النيل عقُد بالقاهرة في مايو العام 2010، مؤكدة أن دولة الجنوب الوليدة تسعى إلى تكتل إقليمي يربطها ببعدها العرقي والإثني، الشيء الذي وجدته في دول الجوار.
وأشارت “أميرة” – في اتصالي هاتفي مع (المجهر) أمس – إلى أن حكومة جوبا أرادت بخطوتها هذه بعث رسالة إلى الدول المجاورة بأنها تقف معها في صف واحد وتريد لذلك مقابلاً، منوهة إلى أحقية جنوب السودان في أن يتعامل وفق مصالحه مع الدول التي وقعت على الاتفاقية وتمثل بعده الاستراتيجي.
{ لكن في جانب آخر يلفت خبير قوانين وسياسات المياه. د. “محمد سليمان محمد” – في مقال له – إلى أن (دولة جنوب السودان تتحدث عن الحاجة العاجلة لإعادة تأهيل المشاريع القائمة وللبدء في مشاريع مياهٍ جديدةٍ تشمل بناء مجموعة من السدود لتوليد الطاقة الكهربائية ومن أجل مياه الري والشرب. وقد بدأ فعلاً التخطيط لبناء سد (بيدين) على بحر الجبل جنوبي مدينة جوبا، وسدٍّ آخر قرب مدينة واو.. عليه فإن دولة جنوب السودان تطالب بنصيبها من مياه النيل ليتسنى لها البدء في هذه المشاريع، ولتأكيد أحقيتها في قدرٍ من مياه النيل كدولةٍ مشاطئة، وبموجب قانون استفتاء جنوب السودان لعام 2009م، وبمقتضى القانون الدولي للمياه).
{ لكن الخبير والمحلل السياسي بروفيسور “حسن علي الساعوري” يؤكد أن نية حكومة جنوب السودان الانضمام للاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل لا تعدو أن تكون مجرد خطوة سياسية، تسعى من خلالها للانحياز لتك الدول، مشيراً إلى أن أراضي الجنوب تغمرها مياه الامطار لمدة (9) أشهر. ولفت “الساعوري” – في محادثة هاتفية مع (المجهر) – إلى أن مواطني الجنوب يزرعون دورتين زراعيتين خلال السنة، بسبب كثرة مياه الأمطار.
{ ويتخوّف متخصصون في نزاعات المياه ودول حوض النيل أن تمثل خطوة جوبا شرخاً في علاقات دول الجوار، منادين بحلول توفيقية عبر الحوار والآليات الأفريقية، محذرين في الوقت نفسه من اللجوء للتحكيم الدولي بشأن الصراعات حول المياه بسبب أن التحكيم الدولي يسلك طرقاً طويلة، ربما تزيد من عمق الشروخ وسط الفراقاء الأفار قة.
{ وفي السياق أكدت د. “إكرام محمد صالح”، المتخصصة في نزاعات النيل وأستاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري، أكدت أن خطوة دولة الجنوب للانضمام للاتفاقية تنبع من بُعد سياسي في الدرجة الأولى ورد جميل للدول التي وقفت معها في تقرير مصيرها، وخاصة كينيا وإثيوبيا ويوغندا، مشددة على أن القانون الدولي للمياه ضعيف وغير حاسم. وأضافت “إكرام” في حديثها لـ (المجهر) أمس أن إحجام الحكومة السودانية عن التوقيع على اتفاقية (عنتيبي) يقف ضد مصالحها ويخدم مصالح مصر.  
{ وكانت الخارجية الإثيوبية قد أعلنت الجمعة الماضية أن دولة جنوب السودان في طريقها للانضمام إلى الاتفاقية الإطارية التي وقعتها بالفعل إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي. ولفتت الوزارة – في تقريرها الصحفي الأسبوعي – إلى إن وزير المياه والري بجنوب السودان “بول مايوم أكيك” أكد أن بلاده لا تعترف بمحتوى اتفاقية 1959 الموقعة بين مصر والسودان، وأن دولة جنوب السودان لم تكن قائمة في ذلك الوقت ولم تقل شيئاً، قائلاً: (لكننا اليوم نقول: ليس لنا صلة بهذه الاتفاقية).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية