رأي

مسامرات

إشراقات
محمد إبراهيم الحاج

{ “زولو”
بعث لي الصديق “ياسر عركي” أغنية جديدة للفنان “محمد الفاتح زولو” باسم (الدم بيحن للدم) وللأمانة تسرعت في الحكم عليها سريعاً بأنها ستفشل.. لأنني لم أكملها أو ربما لأن كلمات الأغنية جديدة ولحنها كذلك.. وقلت له إن “زولو” تسرع بمحاولة الانسلاخ من (عقد الجلاد) وطرح مشروعاً غنائياً منفرداً لا يملك أدواته، لكن “ياسر” الذي أثق في ذائقته بثقافته الفنية الواسعة استنكر رأيي وطلب مني أن اسمعها مرة أخرى.. سمعتها مرة واثنتين.. ثم استمعت لها بعوامة مراسي الشوق.. شعرت بالحنق والخجل من نفسي لأنني حكمت على هذه الأغنية بسرعة دون أن أسمعها جيداً بلحنها المختلف وكلماتها المحرضة على التعايش الاجتماعي، وتناقش قضية من أهم القضايا في تاريخ السودان وهي قضية دارفور.. ثم سمعتها مرة ثالثة ورابعة وخامسة.. فوجدتها أغنية لا تشبه جميع ما ينتجه مطربي (اللايفات) و(الفلفلات).. وفتحت عيني لأغاني أخرى لـ”زولو” الذي كنت أتابع  صولاته الجماهيرية مع فرقة (عقد الجلاد).. تأكدت وقتها أنني أمام فنان حقيقي.. فنان يملك أدوات الحضور والثقافة العالية.. استطاع “زولو” أن يقدم أغنية (يكنس) بها كل عبث الصبية بالفن.. وأظنها أكثر عمل فني لفت نظري هذا الموسم..
{ “عاصم البنا”
رغم أن الأزمات الإنسانية عادة ما تكون مؤشراً قوياً على مقدار ما نعانيه على مستويات متفرقة في الاقتصاد والبنية التحتية وصمت الجهات الرسمية، إلا أنها في ذات الوقت يمكن أن تكشف عن معادن بعض الناس، صهرتهم تلك الظروف وأظهرت معادنهم (النفيسة) التي يزيدها الإحراق عبقاً وطيباً.
الفنان الشاب “عاصم البنا” أحد الذين أُتيح لي خلال الفترة السابقة أن أكون قريباً منه.
ورغم معرفتي الجيدة به قبل سنوات إلا أن ما تكشف لي من “عاصم” خلال الفترة السابقة أبان مقدار ما يكتنزه الرجل من شهامة وكريم أخلاق وتجاوب مع كثير من القضايا آخرها قضية مرضى “المايستوما”، كما أن “عاصم” عينه سبق أن كان أحد الفنانين الذين دعموا الناس إبان محنة السيول والأمطار التي ضربت البلاد، فقد تصدى لإحدى المبادرات ولم يذق للنوم طعماً مدة أربعة أيام كان خلالها يجوب الأصقاع بحثاً عن المتأثرين في “غرب أم درمان” وقيامه وحيداً بعملية (مسح) للمتأثرين واتصاله بالجهات الداعمة للمبادرة، بالإضافة إلى دعمه الشخصي الكبير للمبادرة التي ضاهى فيها كبرى الشركات التي قدمت تبرعاً للمبادرة.. كما أنه أعلن عن تبرعه بريع حفلاته أثناء أزمة زيادة أسعار الدواء قبل نحو عام.. أعلم أن “عاصم” قد يبدي ضجره وضيقه من هذا الحديث، لأنني أعلم تماماً أنه لا يرجو مما فعله إلا الثواب.. ولكن الأنموذج الذي قدمه خلال الفترة السابقة جعلني لا أجرؤ على السكوت كونه يمثل حلقة من الترابط الاجتماعي ووجهاً مشرقاً للمطرب المدرك لاستحقاقات نجوميته.. ووعيه لدور الفنان الرسالي تجاه الأزمات التي تلم بخاصرة الوطن.
} مسامرة أخيرة
{ نشر صديقي الذي كان يتأهب للسفر خارج البلاد بعد أن قضى معظم عمره محشوراً بدماغه في بطون الكتب الإعلان الآتي:
للبيع.. بغرض السفر.. وتجديد الدماغ
كتب ومراجع وبحوث في:
الفلسفة الخايبة
الاشتراكية المسكينة
التاريخ والعلوم..
الديمقراطية البائسة
السعر: بضع من سنوات العمر
العيوب: ليس بها من عيوب سوى أنها ستكون حبيسة الورق
ولكن قبل الشراء نحذّر من إنو اتغشينا بيها زمان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية