مسألة مستعجلة
قروي في المدينة !!
نجل الدين ادم
(قروي في المدينة).. جملة تطلق لتوضيح حجم الفارق في التعامل لذلك الشخص الذي يقصد المدينة من أصقاع الريف، وذلك الذي يكون من سكان المدينة، في سلوك التعامل، والإلمام بالأشياء الخ ..
باختصار هذه الجملة تطلق للذين يجهلون أي لا يعلمون ما حولهم من أشياء بسبب قصر النظر وعدم الإلمام أو التعلم، الفرق كبير بين الجاهل بأمر الحياة والجاهل بأصل الكتابة والقراءة، فالجاهل الأول دائماً يكون وقعه السالب في حياتنا أكبر، لأن هنالك من الزعامات الأهلية الذين يكون ميزانهم في دروب الحياة كبير يؤهلهم لإدارة ملايين من البشر، وفي ذلك قد لا يكون قد حصل على أي قسط من التعليم وباختصار (أمي)، لذلك ليس كل (أُمي) جاهل!
ضربت هذا المثل وأنا أشهد خلال الايام الماضية الاهتمام الكبير للقنوات العربية وغيرها بالاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية، الذي صادف الثامن من الشهر الجاري، ولعل الملفت للنظر فيه هو الشعار المرفوع لهذا الاحتفال (محو الأمية في عالم رقمي)، وهنا جال في خاطري، فهل عبرنا نحن في السودان مرحلة الأمية التقليدية إلى الأمية الرقمية، هذا ما ينبغي أن تجيب عليه الجهات ذات الصلة في وزارة التربية والتعليم الاتحادية وغيرها، لكن باختصار نجد أن هنالك انتقالاً مميزاً في هذا الملف فلم تعد الولايات حاضنة للأمية كما في السابق، وذلك بسبب الانتشار الكبير والواسع لبرنامج محو الأمية، فليس اقل من أن تكون واحدة من أهم برامج وإستراتيجيات الخدمة الوطنية هو محو الأمية، وبالفعل قد نجح مجندو الخدمة في قهرها ووجدوا التجاوب من قبل المواطنين، وهذا يعكس ان مهمة رفع الامية ليس للحكومة فقط وانما منظمات المجتمع المدني ايضاً.
مؤكداً أن إيقاع قهر الأمية من بلد إلى آخر دائماً ما يكون فيه اختلاف لذلك لن تجده بذات الوتيرة، نحن في السودان نعتبر أنفسنا قطعنا شوطاً مقدراً في ذلك، ولكننا بحاجة إلى مزيد من التوسع والمحو النهائي للأمية، وأفضل ما في ذلك أن الأمم المتحدة وعبر منظماتها المتخصصة تدعم هذا الاتجاه، وكذا حال البلدان الأخرى، والسودان ليس استثناءً، فقد كان لافتاً أيضاً البرنامج التحفيزي النوعي الذي تم تنفيذه قبل فترة في ولاية شمال كردفان عبر وزارة التربية والتعليم والمجلس القومي لمحو الأمية وتعليم الكبار بتوفر تمويلاً أصغر لعدد (6) آلاف أسرة، في منطقة أم سيالة مقابل إطلاق سراح أبنائهم للتعلم.
وزارة التربية تحتاج لمزيد من الجهد صوب هذا البرنامج الكبير، وكذلك تحتاج لأن يوفر لها مجلس الوزراء ما يكفي من ميزانيات لمواصلة مشوار النور والتعليم، وذلك بمساعدة عدد من الجهات، فالإذاعة مثلا ظلت وستظل واحدة من أدوات القهر للأمية من خلال ما تقدمه من برامج ومخاطبة للجمهور البسيط لذلك نكون بحاجة لتدعيم هذا الاتجاه ونحن نعرف جيداً أن الكثيرين من رجال الريف دائماً ما تجد رفيقهم الأول هو جهاز الراديو فتجد ذلك الأمي في الكتابة عالم ببواطن الأمور، اتمنى أن يكون هذا الاحتفال نقطة انطلاقة لتحقيق الأهداف الإيجابية التي رسمناها وأن نضع أمامنا حملة رئيس الجمهورية لمحو الأمية تماماً بنهاية العام 2020، وازيد على ذلك باقترح استصدار قرار بفرض واحد جنيه كضريبة وطنية لدعم ميزانية هذا البرنامج .
والله المستعان.