فوق رأي
هناء إبراهيم
احتلال جميل
يقول الأستاذ “مزمل حسب الرسول” تحت عنوان (سلطة معتقد): (أبصم بالعشرة أن المرأة أكثر عطاءً من الرجل)..
ظل إحساسي ومعتقدي هذا يراودني منذ أمدٍ بعيد، وكنت دوماً أحمل بين طياتي وجنبيَّ ما يُعضِّد حسن ظني هذا، بيد أن هذا كان لا يكفي للتصريح بما يعتريني من ظن، ولكني في ذلك اليوم الذي لا يبعد عن هذه اللحظة كثيراً، تيقنت واستوثقت من أن هذا المخلوق الرقيق اللطيف اللين قد ظُلم حقاً ظلماً بائناً من جانب الرجل الذي لا فضل له ولا عزاء سوى أنه يكتب التاريخ، وقد وصل حُسن ظني حدَّ أن أحسب أن المرأة هي المعنية بكلام الله جلَّ شأنه في سورة الزخرف (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
فما الذي حدث في ذلك اليوم مما أهلني للمجاهرة بما أعتقد؟؟
قبل الإجابة دعوني أخبركم أنني أعمل بالمعهد القومي للسرطان – قسم الأحياء الجزيئية – وحدة التوافق النسيجي (Human Leukocyte Antigen-HLA)، هذه الوحدة التي تختص بعمل الفحوصات النسيجية عن طريق الحمض النووي (DNA) لكل من الأفراد المتبرعين والمستقبلين للأعضاء المُتَبَرع بها، سواء أن كان ذلك للكُلى أو نخاع العظم أو خلاف ذلك.
في ذلك اليوم المشهود ودون أي مقدمات خاطرني رئيسي وأستاذي في المعمل المعني قائلاً: تعرف يا مزمل الليلة حصلت عندنا حاجة غريبة خلاص..!!!
كان هذا المدخل كافياً لاستثارة فضولي بالحد الذي اختزلت فيه كل حروف الاستفهام في جملتي: خير حصل شنو..؟؟
ليسترسل: إنت عارف إننا شغالين في وحدة التطابق النسيجي منذ عام 94م..؟؟
قلت: أيوة عارف.
أفاض: تعرف من التاريخ داك لحدي اليوم قمنا بعمل ما لا يقل عن الـ(8000) تطابق نسيجي..؟؟
أجبت: رقم كبير والله.
قال: عارف إنو الـ(8000) تطابق ديل فيهم ما لا أستطيع تذكره من فحصٍ لامرأةٍ ترغب في التبرع بكليتها لزوجها.
سألته: وما الغريب في الأمر.. ؟؟
فكَّ حيرتي بإكمال القصة وهو في قمة الأسف والخجل: اليوم عملت التطابق لرجل يرغب في التبرع بكليته لزوجته، وما يدهش في الأمر يا سيدي أن هذه هي المرة الثانية فقط التي يحدث فيها هذا الأمر..!!!
سألته متعجباً: المرة الثانية من مجموع (8000) فحص تطابق نسيجي عملتوه..؟؟
أجابني: نعم.. والله العظيم..!!!
انتهى حديثه ليجعلني أشعر بنشوة الانتصار لمعتقدي السابق والمختزن بعقلي الباطن وما أحلى الانتصار حتى لو كان لصالح المنافس، ومن يتوهمن أن الكثير من الرجال أكثر عطاءً منهن وأكثر تفانياً.. وأكثر تضحية.. لأجل كل ذلك دعوني أبعث بهذه الرسائل والكبسولات للنساء في حياتي، لتكون بمثابة (نقد ذاتي) للكثير مما مضى.
– زوجتي العظيمة: أعتذر عن كل ما سببناه لك نحن معشر الرجال من آلامٍ متوهمين بذلك أن في ذلك الحفظ لك والمتعة لنا.
– أخواتي الكبيرات عمراً ومعنىً: أعتذر لكُن حين كنت أصغركُن.. فلم تمنعني السيطرة الذكورية من التأمر والتسلط والتجبر عليكُّنَ.
– ابنتي الوحيدة: السيدة “فاطمة الزهراء”.. أعاهدك بأنني لن أمارس عليك أي نوعٍ من أنواع القهر الأبوي بشكلٍ يميزك عن إخوانك الذكور، ولن أجعل كائناً من كان منهم أن يمارس عليك أي توصية أو رقابة ذكورية.
– أمي الغالية: استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ونومي هانئة وثقي في أنك قد خلَّفتِ رجلاً لن يظلم بنات جنسك لكون أنهن إناثاً.
– نصيفاتي بنات حواء في البيت في الشارع في المسرح: أرجو أن أستدر ثقتكن في أن هنالك الكثير من الرجال يعلمون في قرارة أنفسهم بأنكن الأكثر عطاءً في الغالبية العظمى من الأشياء، والأجمل والأبهى والأنقى والأصلح، أنكن الواهب العالمي (O -ve)، ولئن كان هناك من يكابر ويستحي من المجاهرة بذلك، فإن هناك الكثيرين مثلي ممن لا يستحون ولا يرعوون من أن يجاهرون بيقين معتقدهم بأن: (خيرُ الناسِ أنفعهم للناسِ).
أشكركن كثيراً أصالةً عن نفسي وإنابةً عن كل رجلٍ بكامل قواه العقلية يستطيع التمييز بين الحق والباطل، ويمكنه استشعار ما تمنحننا له من عطاءٍ لا يستطيع إنكاره إلا مكابرٍ، ولا يغفل عنه إلا عليلٍ جهول، وتذكرن قول الشاعر:
قد تُنكر العينُ ضوءَ الشمسِ من رمدٍ *** ويُنكرُ الفمُ طُعمَ الماءِ من سقمِ
مزمل حسب الرسول – المعهد القومي للسرطان
فوق رأي:
التقيت الأستاذ “مزمل حسب الرسول” صاحب الحروف أعلاه في مدينة مدني.. وسوف أكتب تعقيباً على هذا الجمال ينشر غداً وبعد غدٍ إن شاء الله..
هناء إبراهيم