القضية المنسية!!
لم يبدِ الرأي العام في السودان اهتماماً بمفاوضات السلام التي ينتظر استئنافها اليوم في أديس أبابا بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال، وذلك من واقع اليأس من المبادرة الأفريقية وفشلها خلال ثلاث سنوات في حمل الطرفين على مجرد الاتفاق على أجندة التفاوض.. واتخاذ الحركة الشعبية والحكومة المفاوضات كمنبر للظهور أمام المجتمع الدولي والدولة الأفريقية بالجدية والسعي للسلام وتسجيل نقاط على الخصم.. وتبدى للمراقبين للتفاوض إن كلا الطرفين ـ الحكومة ومتمردي قطاع الشمال ـ يرغبان في اتفاقية سلام بشروطه هو.. الحركة الشعبية تسعى لتفكيك الإنقاذ وإسقاطها وتتقمص دوراً أكبر من حجمها وتلعب على ورقة تحالف الجبهة الثورية.. ولذلك فشلت المفاوضات السابقة وبوادر فشل الجولة الحالية. تبدو شاخصة لكل ذي بصر وبصيرة.. أما الحكومة فهي تصغي للأصوات الرافضة للتفاوض و(المراهنة) على الحل العسكري.. ولا تريد تفاوضاً يفضي لمشاركتها في سلطتها المركزية.. ولكنها لا تبدي ممانعة في إشراك المتمردين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وجاءت أزمة الجنوب خصماً على مساعي الحل السلمي حيث انشغل قادة الحركة الشعبية بصراعات الجنوبيين أكثر من قضيتهم التي من أجلها حملوا السلاح ووضعت بعض الفصائل الشمالية المعارضة بنادقها في خدمة حكومة الجنوب على حساب حلفائهم السابقين من أولاد “قرنق” داخل حكومة “سلفاكير” قبل انقسامها وتصدعها.. وفي المفاوضات التي انتهت للفشل في فبراير الماضي كان “مالك عقار” مراقباً لمفاوضات الجنوبيين أكثر من مفاوضات الحكومة مع قطاع الشمال، وحينما يلتقي اليوم الفرقاء في أديس أبابا وقد تبقى من مهلة الاتحاد الأفريقي أسبوع واحد فإن كلا الطرفين يحرصان على إدانة بعضهما البعض، والتنصل من مسؤولية إهدار الوقت والتعنت ورفض التسويات وانتظار ما يقرره مجلس السلم والأمن الأفريقي.. وهل سيذهب بالقضية لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات بشأنها؟؟ أم يجدد التفويض مرة أخرى للجنة “أمبيكي” التي فشلت تماماً في مهمتها وأصبحت غير قادرة على فعل أي شيء، وقد انصرف اهتمام المجتمع الدولي بقضية الجنوب والوضع في سوريا وأوكرانيا أكثر من قضية المنطقتين في السودان.
والحكومة يشغلها التفاوض والحوار مع حزب الأمة والشعبي والناصريين والبعثيين و”فاروق أبو عيسى” وتحالف المعارضة أكثر من الحوار مع حاملي السلاح، وتسعى الحكومة لتصديق مزاعم أطلقتها هي وصدقتها بأن حركة العدل والمساواة مثلاً هي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي، وإن الحركة الشعبية قطاع الشمال هي ذراع آخر للحزب الشيوعي وأن القيادات السياسية القابعة في الخرطوم تستطيع وقف الحرب المهلكة في الأطراف، لذلك لا يتوقع من مفاوضات أديس أبابا التي تبدأ اليوم تحقيق أي تقدم، ولا يلوح في الأفق إمكانية تسوية في القريب العاجل.. لكن الواقع على الأرض يشير لتقدم عسكري كبير في جبهات القتال بجنوب كردفان وانحسار شديد للتمرد الذي ضعف وأصبح غير قادر على الدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها.. ولكن الانتصارات العسكرية على الأرض إن لم (تصاحبها) جهود سياسية لحل القضية التي دفعت أبناء تلك المناطق لحمل السلاح فإن الواقع المأزوم سيظل شاخصاً بصره في الساحة، وحرب العصابات لا يمكن حسمها بقوة السلاح.. نتمنى للمفاوضات إقامة سعيدة في فنادق أديس أبابا والعودة غانمين لأسرهم وكل مفاوضات والأزمة باقية والحرب تنخر في عظام الوطن!!