الفيضان الذي يعقبه العطش.. (زيرو موية) !!
لو أن خبراء في هندسة الري والموارد المائية من دول العالم الأول زاروا بلادنا خلال فصل الخريف الذي تغمر مياهه بلادنا من أعلى وأدنى، لتعجبوا وتحسروا على كم المياه المهدر من فيضان النيل، والسيول الجارية في الوديان على امتداد أصقاع السودان من “وادي نيالا” غرباً.. إلى “دلتا طوكر” شرقاً، فضلاً عن تدفقات النيل الفائض على المجاري.. والخيران.. من أقاصي جنوبنا وشرقنا إلى أقصى شمالنا، ليصبح المشهد بعد أسابيع من انحسار النيل بحيرات راكدة.. مراتع للطحالب والبعوض.. ومنازل للحشرات بكل أصنافها وألوانها!!
شاهدت فيديو قبل أيام لفيضان وادي “نيالا البحير” وقد تحول لنهر هادر متلاطم الأمواج، مترعاً بماء السماء التي برقت وأرعدت.. فسقت أهلنا في كردفان ودارفور.. وروت بهائمهم.. وأخضرت الأرض.. زرعاً بلا مزارع، وثمراً ينضج وسط الفرقان (بروس).. وهل من نعمة تتنزل من السماء أنعم من هذي !!
يفيض النيل بمليارات الأمتار المكعبة في (أغسطس) من كل عام، وتذهب غالب تلك المليارات المكعبة هدراً.. إما بالتبخر أو بالتفرق دون فائدة في الصحارى والمنخفضات، فلا زرعنا بها، ولا حصدنا ولا خزنا سقياً ليوم الجفاف !!
ثم يغادرنا الخريف.. يتوقف المطر.. تسكت السماء عن الرعد.. وينحسر النيل.. تجف مياه الوديان.. تتسرب إلى باطن الأرض أو تطير متبخرة إلى عنان السماء مرة أخرى !!
وكل ما يمكننا فعله هو تحذير المواطنين من خطر الفيضان وتهديد السيول، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد وتمام الترقب !!
وما دمنا عاجزين – كدولة وقطاع خاص – عن الإفادة من المياه المهدرة من فيضان النيل والأودية في ولايات السودان، فلنستجلب شركات دولية متخصصة في مجال المياه، أو نوقع اتفاقيات مع دول ذات قدرات وإمكانيات، نبيعها هذه المياه.. (المليارات الفائضة الخارجة عن مجرى النيل.. والمهدرة في وديان كردفان ودارفور وشرق السودان.. حتى لا ينتفض على الأخوة في مصر).. أو نشارك تلك الدول في مشروعات زراعية ضخمة بما فيها “مصر”، و”إسرائيل” كمان.. ولِمَ لا، علينا الماء والأرض.. وعليهم التمويل.. والمدخلات والتقانة والخبرات.
لكننا لا.. ولن نفعل شيئاً ذا نفع.. يذهب الخريف.. ليأتي العطش بعده.. في مشروع الجزيرة.. في “نيالا البحير”.. في”طوكر”.. في “الأبيض”.. في “الشمالية” وفي “بورتسودان” !!
ثم يحدثوننا عن مشروعات (حصاد المياه) و(زيرو عطش) و …. و …..!!
والحقيقة أنه بعد شهرين من الآن.. سيكون هناك (زيرو موية).. في مواسير الخرطوم.. وصهاريج كردفان ودارفور.. وخزانات البحر الأحمر!!
يبقى الحال على ما هو عليه.. أتابع هذا المشهد كل خريف وأنا أعبر النيل يومياً من أم درمان إلى الخرطوم.. فيا لنا من أمة متلافة !!.