تقارير

رحلة الأيام الثلاثة.. تغوص عميقاً في تفاصيل المنطقة..

سمسم القضارف.. وربك عارف:
القضارف: رشان أوشي
كانت سماء “قضروف ود سعد” تزدان بغيوم ماطرات، بينما غرقت الخرطوم، التي غادرناها قبل ساعات في سخونة قاتلة، تشبه استوائية درجات الحرارة السنوية التي تتحلى بها العاصمة كل عام في ذات التوقيت المناخي، على غير عادة أقاليم السودان ما خلا شماله كل عام، غيوم القضارف التي تجتمع في ميقاتها دورياً، أضفت حلة زاهية على المدينة وما جاورها، بذات فيض الغيوم يفيض كرم أهل المدينة الذين لا يفصل أخلاقهم عن مناخهم، فأغدقوا علينا الحب والكرم الفياض، رغم أن رحلتنا كانت رسمية نوعاً ما، إلا أنها تحولت في سويعات إلى رحلة صحافية استثنائية، بتأثير المنطقة وسكانها، ومناخها (العجيب)، عجب مطاميرها وبيوت الصفيح والقطاطي التي يفرضها المناخ على أهلها.
 تحرك ركبنا حوالي الرابعة عصراً، كانت درجة الحرارة في الخرطوم تسابق الأربعين ونيفاً، تعمل على مزاج القاطنين في المنطقة، فأضفت مزاجاً لا يعتبر لطيفاً بأي حال من الأحوال، أثر على نفوس الراحلين سلباً، فألقى بظلاله على قابليتهم على الرحلة، ولكن ما أن غادرنا منطقة سوبا “غرب النيل”، باتجاه ود مدني إلا وبدأ المزاج يتغير بنحو قريباً للشراهة لاكتشاف ما تحمله الرحلة من مفاجآت جميلة، كانت أول قبلة نترجل فيها من دابتنا هي ما بين الحصاحيصا والمسعودية، لا أذكر مسماها بالضبط، ولكن كانت استراحة منطقية وفقاً لما حملته نفوسنا من تقلبات طوال الطريق، مناخ المنطقة الصغيرة في الطريق كان موفقاً في ضبط أمزجتنا صوب مقصدنا.
 وبعدها أظلم الكون، وترك رائحته التي طغى عليها امتزاج تراب الأرض بصخب المطر، لزوجة أضفت سكينة على نفوسنا، وصاحبنا الظلام حتى “الخياري”، تلك المنطقة التي يعرفها كل أهل السودان الذين قصدوا ولاية القضارف، ومن لم يقصدوها، كان الظلام سيد الموقف، ما عدا إنارة خافتة يبعثها أصحاب المحال التجارية في الطريق، إلى أن وصلنا “قضروف ود سعد”، أو “القدارف”، كما ينطقها بعض من أهلها، كانت الساعة تقارب منتصف الليل إلا قليلاً، تغلب الرهق على الجميع، واتجهت وجههم صوب الرغبة في النوم، ولكن هيهات مع رغبة حكومة الولاية التي أبت إلا أن تكرمنا بفيض القول والفعل.
}بيت الوزيرة:
أصرت وزيرة الرعاية الاجتماعية “عواطف الجعلي” إلا أن تبالغ في إمتاعنا برحلتنا، حيث انتقت الصحافيات واستضافتهن، بغرض توفير أكبر قسط من الراحة، خاصة وأنها تقطن في المنزل الحكومي وحيدة باستثناء العاملة لديها، انتحت غرفة قصية، وأفرغت ما تبقى من المنزل لنا، نعمنا بنوم هانئ مريح، حتى بزغ الفجر ومنه بدأت رحلتنا الحقيقية إلى ضواحي المدينة، حيث البساطة والكرم القروي المغداق.
كانت “أمانة الحكومة”، ولا أدري من أين أتى هذا النسب الذي تعتمد الخدمة المدنية وقيادتها عليه في التعريف بها، تستعد لانعقاد مؤتمر “المواصفات والمقاييس”، حيث حكم علينا القدر بحضوره، ويعتبر من أهم الفعاليات الصحافية التي يمكن التركيز عليها، في ولاية حدودية تعتمد على الصادر والوارد من جوارها كحركة السكان الاقتصادية التي يعتمدون عليها في تسيير العيش بعد الزراعة مباشرة، فحدود (أثيوبيا) المكتظة بالسكان، تعتبر رافد عيش رغيد لسكان الدولتين المتجاورتين، حيث تبدأ الحركة التجارية من تجارة مستحضرات التجميل إلى قوت الناس، ونسبة لذلك أنشئت منطقة حرة، باركتها حكومتا الدولتين، لذلك نظم مؤتمر المقاييس والمواصفات لتقنين تجارة الحدود والتجارة داخل المدن.
}حماية المستهلك:
ومن ثم أكد “عبد الله حمدي” المتحدث باسم المواصفات والمقاييس وتنمية الاقتصاد الوطني بولاية القضارف، على  أن إنفاذ الحملات الرقابية التي طالت الأسواق ومحلات الخضر واللحوم والبقالات جاءت ضمن اهتمام الجهة التي يمثلها بضبط الجودة، وصاحبها تنفيذ ثلاثين محاضرة إرشادية ومخيمات في سوق المدينة الرئيسي، وأبدى مدير الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس “سكراب”  اهتمامه بتطبيق المواصفات والمقاييس  على الصادرات والواردات والمنتجات المحلية بالولاية التي تعتبر مطمورة السودان، وتمثل بعداً إستراتيجياً نسبة لحدودها، مضيفاً: “الاستماع عن قرب بسير الأداء الذي يمثل الحلول لمسألة الجودة التي شملتها خطة المواصفات السنوية للعام 2018م، تشير إلى أن القضارف ستجد حظها في قيام مبانٍ ومختبرات حديثة، ودعم لوجستي يتمثل في وسائل حركة ومعالجات لقضايا المواصفات والمقاييس في الفرع.
ومن جانبه شدد والي القضارف المهندس “ميرغني صالح” على أن الحفاظ على علاقات طيبة مع الجارة أثيوبيا يدعم منافذ التعامل في التجارة الحدودية، كما أننا نعمل على إنشاء منطقة حرة أخرى في (اللقدي)، تجعل الولاية قبلة للمستثمرين عبر بناء الطرق ودعم بنيتي الكهرباء والطرق.
}المطمورة ما بتبالي من الرش:
لم يكن ذهني يصور لي أن مخزون البلاد الإستراتيجي من الذرة تحفظه القضارف في أحشائها بذات النهج القديم الذي عرفناه عن تخزين الحبوب، تصورت أن البلاد واكبت الثورة التقنية الحديثة في أي شيء، ولكن اتضح لي عندما حط رحالنا في أكبر مشروع زراعي في المنطقة، أننا ما زلنا نحتفظ بتقليديتنا حتى في معاشنا،   فكوم التراب الهائل الذي يبعث بهيئته للجميع وكأنه قبور ضخمة، أو عمليات بناء، كان هو مخزن تقليدي متوارث للذرة (المطمورة)، تنبش بطن الأرض، وتوضع الآلاف من جوالات الذرة، وتغطى بكيس بلاستيكي ضخم، ويهال عليها التراب، حماية من الأمطار وعوامل الرطوبة والمناخ، وتظل حبوب الذرة، والسمسم، قيد الحفظ الآمن حتى ينقشع الخريف، ويأتي الصيف وبقية الفصول، إلى أن تنقضي الكمية المحفوظة في بطون البشر، وتبدأ العملية من جديد مع بزوغ كل عام من ميقات حصاد الذرة الرفيعة، ونسبة لتراجع سوق الذرة الرفيعة واكتشاف السكان عادات غذائية جديدة اتجهت الجهة المسؤولة عن الزراعة إلى اقتراح محاصيل جديدة على المزارعين على رأسها “زهرة عباد الشمس”، التي تمد البلاد بكميات كبيرة من زيت عباد الشمس الذي يعرفه العالم أجمع، ويعتبر سلعة جيدة للتصدير، وصاحبتها تقنيات جديدة لمحاربة الآفات الزراعية باستثناء المبيدات الكيميائية، ظهرت طريقة (الكديب) رغم تقليدية اسمها إلا أنها طرق مستحدثة وآمنة لفصل الحشائش، لم يقتنع بها المواطن بسهولة إلا بعد أن تابع معظم المزارعين فعاليتها على الأرض، وقال المزارع  “إسماعيل حسن محمد داوود”: إنه من أوائل الذين أمسكوا بزمام المبادرة في تغيير الثقافة الزراعية بالمنطقة، وهي الانتقال من زراعة السمسم إلى زهرة عباد الشمس، مردفاً: “أنا طلبت من وزارة الزراعة المساعدة بما تسمح إمكاناتها في توفيره لزراعة زهرة الشمس، وبالطبع تم تحضير الأرض وتسميدها، وبعدها بدأنا الزراعة ونجحت كأول تجربة، وساعدنا الري كثيراً، وبعدها قمنا بزراعة القطن، وقمنا بعملية (الكديب)، والآن نفكر في النظافة، لكن عندما أخبروني بأمر الكديب، رفضته بحجة أنني سأنثر المبيدات على زرعي، ولكنهم أقنعوني بالأمر بيان بالعمل عندما  تم تجريبها أمامي اقتنعت بها”، مضيفاً: “بالنسبة لي هي تجربة ناجحة في مساحة خمسين فداناً قمت بزراعتها، وتقسيمها على حسب التقاوى التي وصلتني”.
}في مقر الحكومة:
سيطرت حكومة القضارف على المسرح الإعلامي في الفترة السابقة، خاصة بعد  قضية تلف الذرة في مخازن ديوان الزكاة التي أثارت غضب المواطنين ولم تجد إدارة الديوان جدوى سوى الاعتراف بها، لذلك قرر الوالي “ميرغني صالح” استدعاء حكومته برمتها حتى معتمدي الرئاسة، للمثول بين أيدي الإعلام، وقدم كل وزير عرضاً مفصلاً لوزارته منذ تعيينه، واختتم المؤتمر الصحافي بحديث مقتضب للوالي “ميرغني صالح” أكد فيه أن مسألة إنفاذ القرارات كانت هي المعضلة الحقيقية التي واجهت حكومته، وقال: “كان مخططاً عقد 52 اجتماعاً منذ تعيين الحكومة لمتابعة مسألة إنفاذ القرارات، ولكنها وصلت إلى 60 اجتماعاً لمسائل طارئة، خاصة في مجال الأمن، حيث عقدت عدة اجتماعات للجنة الأمن، خاصة في قضية الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات”.
ومضى”صالح” في حديثه عن معضلة مياه القضارف، مشيراً إلى إجراء عدة دراسات، خلصت إلى ضرورة رفع المنسوب وتغيير مجرى المياه من جبل الجيش إلى الشميلاياب، مستوى الماء في البحيرة ومستوى المياه في الخزان (170) متراً، لذلك لا بد من محطة دافعة، أنشأنا محطة الرواشدة التي جعلت المياه انسيابية، لتغطي كل المدينة، ولأول مرة يتم استخدام أنابيب (16)، نسبة لتضاريس بلدية القضارف، مضيفاً: “اعتبرنا الشبكة القديمة صفرية لأنها صممت لـ50 ألف نسمة، واليوم نحن 400 ألف نسمة، وأي عملية ترقيع لها تؤدي للتلف، وطول الشبكة 1116 كيلومتراً”، مردفاً: “أستفدنا من العلاقات المتميزة التي نتجت عن زيارات متبادلة بين الرئيسين البشير وديسالين، وقطعنا شوطاً كبيراً في اتفاقيات المزارعة، آخر لقاء بين الرئيسين طمأننا جداً خاصة بعد الحديث الذي راج عن وضع علامات في الحدود، وجراء ذلك نفذنا مشروعاً أسميناه الشريط الحدودي بخمسين نقطة، أبرزها القلابات، والتي تعتبر المعبر والمنطقة الحرة التي قطعت شوطاً في التنفيذ، والآن نتفاوض مع بنك فيصل تحت إشراف وزارة الاستثمار الاتحادية لإنشاء منطقة حرة أخرى في اللقدي”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية