حوارات

"رباح الصادق المهدي" القيادية بحزب الأمة تخص (المجهر السياسي) بالحكايات والأسرار والمواقف..1-2

–    منذ فترة الجامعة.. أذهب لسوق أم درمان لشراء مشغولات الفضة والأحجار الكريمة
–    أحببت الحياة المدرسية وكنت (ممثلة) حتى الثانوية
–    بيتنا ملئ بالغرباء وكنا نتحرك ملفلفين بالطرح حتى أثناء النوم
–    كنا ننظم حلبات مصارعة وكنت أصرع حتى الصبيان الأكبر مني سناً
–    تعرفت على أبوي الإمام 1981 في “لندن”
–    علاقتي بدارفور تفسرها “مقبولة” أم الإمام “عبد الرحمن” بنت سلاطين الفور
–    نشأت في بيت جدي ولعبنا (كمبلت) و(الحجلة) و(يلاكم الجنينة)
–    حوار – صديق دلاى
المقدمة
كنت أتمنى أن أجمع بنات من البيتين الكبيرين في مواجهة أخريات من بنات السودان العاديات لنفهم الفرق، الطموح واللغة والمفاهيم، وهل صحيح أن العائلتين الختمية والأنصار في قمتهما الكبيرة كعائلتين يعيشان في عزلة مجيدة، وتوجهت إلى السيدة “رباح الصادق” وحرصت على إيقاع الأسئلة أن يؤدي إلى تلك النتائج ولم تخب ظننا حينما طلبت أن نبتعد عن كونها بنت فلان وأن تفحص كل مقولاتها بمسؤوليتها “رباح”، وكانت الحصيلة مذهلة من الإفادات والحقائق، حيث أجابت أن المقارنة بين الأسرتين بكوننا عائلات طائفية وأرستقراطية فيه ظلم كبير وقد حرص الإمام على تعليمنا في مدارس حكومية ومع الشعب.. الحوار شامل ومتنوع.

}كيف كانت نشأة “رباح”، حدثينا بتفصيل وأحداث، طبيعة البيت والناس والدنيا من حولك؟
-نشأت في منزل جدي الإمام “الصديق” بالملازمين، وبيت والدي كان ملتصقاً به وبينهما نفاج، تقطن فيه أسرتنا من أمي “حفية” زوجته الأولى؛ وحينما تزوج أمي “سارا” رحمها الله كان ذلك بعد وفاة الإمام “الصديق”، فكان سكنهما في غرفته؛ ونشأنا نحن أبناؤه منها مع والدته أمي “رحمة” رحمها الله، وعمينا “فيصل” و”صلاح” رحمه الله، وعمتنا “وصال” وأسرتها في نفس المبنى؛ ولاحقاً أسرة عمنا “فيصل”.
} “رباح الصادق”؟
– كنت الوسطى لأمي، والأواسط دائماً “ضايعين”، كانت أمي “رحمة” رحمها الله، ملاذي، وقد طلب مني الوالد أن أدون منها قصص المهدية وتاريخها الذي كان لديها منه ذخر ضخم.
} هل استمعتِ لأمك “رحمة” لكتابة تاريخ الأسرة؟
– فعلاً بدأتُ ذلك المشروع لكني لم أكمله، بل ضيعت ما دونت، الوالد نفسه كان غائباً في معظم الأحيان بالسجون والمنافي، ووالدتنا كانت تغيب لتلحق به بالتناوب؛ كانت أمنا “عزيزة” رحمها الله، ومريم (عرجون)، تقومان برعايتنا تحت إشراف أمي “رحمة” رحمها الله.
}أم درمان القديمة والعصريات وبيتكم الكبير؟
–    كنا نقضي عصر كل يوم في اللعب بحيشان البيت، لعبنا (كمبلت)، و(يلاكم الجنينة)، و(دس دس)، و(الحجلة) وغيرها من الألعاب، وبعدها نذهب لخالتي “بخيتة” وهي من أقرباء أمي “رحمة” رحمهما الله، من ناس أم جر، ونجلس متحلقين حولها فتقص علينا الأحاجي كل يوم: (فاطنة السمحة، وود النمير، وود أبرك) وغيرها من القصص الممتع.
}أول يوم مدرسي؟ 
– درستُ في مدرسة التمرين الابتدائية التي صارت الآن “أحمد بشير العبادي”، ذهبت اليوم الأول بصحبة والدتي رحمها الله، كانت المديرة الأستاذة “خدوم نقد”، وكنتُ صغيرة السن على الدخول، بعمر خمس سنوات تقريباً، بينما كان العمر المطلوب سبع سنوات.
}تم قبولك عشان الوالدة إكراماً لها؟
– تم قبولي كمستمعة، وما أذكره هو أنني بعد أن جلستُ داخل الفصل كنتُ طيلة الوقت في تفاهم وحديث عبر النافذة مع “طاهرة” أختي الأصغر التي كانت تتسرب من روضة التمرين.
} كيف عشتِ عالم البنات؟

–     طبعاً لم يكن عالم البنات غريباً عليّ، فبيتنا فيه البنات أغلبية.
}وعلاقتك مع سوق أم درمان وأنتِ صبية؟
–    لم أعتد على زيارة سوق أم درمان في الصبا، لكنني كنت أزوره بانتظام بعد دخول الجامعة بحثاً عن مشغولات الفضة والأحجار الكريمة.
}كيف تصفين الحياة المدرسية؟
-كنتُ أحبها جداً وأشارك في كل مناشطها بحماس، الجمعية الأدبية وجمعية المسرح، كان يتم اختياري في المسرحيات في أدوار رئيسية، أحببتُ التمثيل جداً وظللت (أمثل) منذ الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية.
}كنتِ شقية أم هادئة؟

-لم أعرف معنى أن أكون شقية في طفولتي وإن كانت والدتي رحمها الله تقول إنني كنت هادئة وأحب المساعدة نعم، ولكن عنيدة، ويبدو أن ذلك الهدوء تغير لدى دخول الجامعة، إذ أسفر وجه متمرد.
}هل خدعتِ بائعة الآيسكريم أو الفول ذات يوم؟
–    ليس للخداع مكان في قاموس تعاملاتي، لكن ربما كان من السهل خداعي.
}وما هي أول معركة مدرسية فيها ضرب بالأيادي شاركتِ فيها؟
–    كنا في أيام الجمع نذهب لودنوباوي، حيث حوش الإمام “عبد الرحمن” وأسره الكثيرة، وننظم حلبات مصارعة، وكنتُ أصرعُ حتى الصبيان الذين يفوتوني عمراً، لكني مع حب المصارعة أبداً لم أكن أحب عراك الأيادي. وأذكر عراكاً وحيداً تم مع إحدى البنات.

} كيف قرأتِ تاريخ السودان وأنت تلميذة وما الذي لفتك له بوعي تلك المرحلة؟   
–    كنتُ أحبُ التاريخ جداً، بعكس الجغرافيا، وما لفتني حول تاريخ السودان مغايرة منهج تاريخ المهدية لمعارفي المسبقة، وقد أثبت مؤرخون أمثال المرحوم “محمد سعيد القدال” مغايرته للواقع في بعض التفاصيل.
}هل تحب “رباح” الإجازات؟
–    كانت الإجازات أسوأ أيامي.
}متى تعرفت “رباح” على أبيها بشكل واعٍ؟
–    في العام 1981م، كان حينها مقيماً بإنجلترا ولحقنا به في إجازتنا المدرسية، فنظم لنا حلقات لسيرته الذاتية، وأخرى للسيرة النبوية، كنتُ أدون في كراستي كل ما يقول، وقد انفتح ذهني على ملامح شخصيته لأول مرة بدون وسيط، ثم اتسع ذلك النفاج إبان اعتقاله إثر قوانين سبتمبر 1983، حيث قضى أكثر من عام معتقلاً بكوبر، وكنا نزوره أسبوعياً، فيجالسنا جمعاً ثم ينفرد بكل واحد وواحدة منا يسأله عن أحواله، ويتابع نتائجه المدرسية ويعلق عليها، مركزاً على مادتي الدين والتاريخ.
}كان بيتكم مفتوحاً على الدوام، وفيه غرباء أيضاً على الدوام، فكيف كنتم تعيشون حياة العائلة الخاصة سيما وأنتن البنات؟
– نعم بيتنا ظل مفتوح الباب على مصراعيه، لكن في صغرنا كان الناس لا يزورونا إلا قلة قليلة جداً لا تأبه ببطش السلطات المايوية، وكنت لا ترى على ممرات المنزل سوى أثر أرجلنا الصغيرة وأرجل الطير: ود أبرك والقماري، وكان يعيش معنا كثير من الأنصار.
} في النهاية هم غرباء وأنتن بنات؟
–    صحيح كان لذلك أثر على سلوكنا كأن نكون في كل الوقت بكامل الهندام، ملفلفين بالطرح حتى أثناء النوم لما كن نبيت في الحوش، وبعد انتفاضة أبريل تحول بيتنا لنادٍ يرتاده الغاشي واشي.
}أي نوع كانت الراحلة السيدة “سارة” والدتك؟
– كانت قوية كالفولاذ وقفت طوداً أمام كل طاغية وكل الطغاة مقتوها حد الشروع في الاغتيال، ذاقت السجون والمنفى، كانت صميمة الرأي، وكانت فيض حنان وشفقة لا ينضب، كثيرة القلق على من حولها، لذلك كان اسم الجمعية التي أنشأتها في آخر أيامها (الناس للناس)، وصفاً دقيقاً لحالتها.
} كيف نعاها الإمام (في تقديرك)؟
–    وجدتُ في مدونات الحبيب الإمام يوم وفاتها وصفه لها بأنها (شهيدة الجهاد المدني، الأنثى أحمى للعرين من الأسد، أم الأحرار، من القوة للهوة، الأنوثة المرشدة)، ثم أورد قصيدة منها:
لقد فقدت ولم تفقد علاها … وهل شمس تغيب بلا شعاع

هي الدر المصون ببطن أرض … وقد كانت كذلك في قناع

هي البحر الخضم وما سمعنا … بأن البحر يدفن في التلاع
ويا خير النساء بلا خلاف … وقدوتنا بلا أدنى نزاع }(أول أغنية) أو أغنيات تعرفت عليها “رباح” في المرحلة المدرسية ووجدت فيها ملاذ البنات آنذاك؟
– أثناء المدرسة لم أكن أحب من الغناء إلا الوطني (عازة في هواك) وأغاني الخليل عموماً كانت ولا تزال في قائمة مفضلاتي، وكنتُ أطرب كذلك للمديح النبوي والأنصاري، وفي يوم كان المرئي ينقل للراحل المقيم “عبد العزيز أبو داوود” رحمه الله، الأغنية (كلموه اللاهي بالغرام بالله، قولوا ليه الحب شيء طبيعي أساسي)، فعبرتُ عن استيائي لرجل كبير بعمره يغني تلك الكلمات، ولدهشتي قالت لي أمي “رحمة” رحمها الله، (أبو داوود هذا فاز بجائزة الحنجرة الذهبية، ثم إن الحب لا عمر له).
} انفتحتِ على الغناء بفهم واسع؟
–     لاحقاً خرجتُ من علبة التشدد تلك وانفتحت على غناء “الكابلي” و”وردي” حتى العاطفي منه.

 

}متى بدأ الوعي السياسي لـ”رباح” وفهم إشكاليات البلد وقراءة الجغرافيا السياسية بعقل مفتوح؟
–    لا أستطيع تحديد التأريخ لذلك بدقة، فقد نشأت في بيئة تحدد أجندتها اليومية مجريات السياسة، بل حتى خطاباتها وأفكارها، اعتقالات ومنافٍ وتشريد ومصادرات وغياب متطاول للأب والأم وحتى الأم المربية بسبب البطش السياسي، تفتح ذهني إبان ظلام (أب عاج) على الظلم الذي يطالك لكونك ابن أو بنت أسرة معينة أو رجل معين، أدركتُ بغض الديكتاتورية، وحينها وجدتُ الطريق سالكاً نحو كل المعارضين من مختلف الألوان السياسية، ففي المدرسة الثانوية كانت تجمعنا “شلة” من البنات نتبادل أشعار المقاومة وأدبياتها.
}كيف تلخصين أحداث الجزيرة أبا؟
-التقييم الموضوعي لمجزرة الإبادة الجماعية تلك من حيث الملابسات التي أدت إليها والمبررات التي سيقت من قبل النظام المايوي، لا يزال عليه غبار كثيف، وتكتنفه دعاية الطاغية، وحتى الوثائق الموجودة بدار الوثائق القومية كما كشف باحثون، تروي الرواية بعين القتلة.
}تعتقدين أنه ثمة غموض في التاريخ المكتوب عنهم؟
–    برأيي سوف يكشف التاريخ أنها كانت خطوة إبادة جماعية للأنصار من قبل نظام دموي، مدعومة مصرياً وليبياً.
} أبطال الجاسر كانوا أسطورة؟
-سوف يقف المؤرخون الموضوعيون من جديد أمام صمود خرافي لورثة كرري كأنما تاريخهم الباسل والمؤلم يعيد نفسه.
}الجيل الرابع من أهل الجزيرة أبا تشعبت بهم الأشواق وصاروا بعيداً عن الحركة الأنصارية وأحياناً يوجهون نقداً للتاريخ الأنصاري، ويعتقدون أن جدك الإمام استغل أجدادهم لجمع ثروته؟
-الأنصار عامة من لدن مشروع (استئناس الأنصار) الذي ابتدره الطاغية المايوي، وحتى مكاتب مكافحة الأنصار الأمنية لدى ناس الإنقاذ، ظلوا عرضة لمحاولات التجريف والزعزعة والتشتيت، وعُمل مجهود مركز في الجزيرة أبا قلعة الصمود الأنصاري، لسلخها عن جذرها.
× تقصدين (جمع ثروات)؟
– عملت آلة تلك النظم الإعلامية والتنظيمية بشكل مكثف لنشر التهم وترداد أقاصيص باطلة منذ حملة مايو الشعواء عقب مجزرة أبا الإبادية، وحتى دعايات الإنقاذ الموجهة وأقلامها الماكرة و”المكرية”.
} ترسمين صورة قاتمة؟
–    تلك المجموعات تحاول تشويه تاريخ الإمام “عبد الرحمن” الناصع وعلاقته العضوية بالأنصار والمجاهدين الذين التحقوا به وعضدوه في رفع راية السودان المستقل حتى انتصر، لقد كانت علاقة قائمة على التناصر والتواصي لا الاستغلال مثلما أشيع، وبرغم تلك المحاولات الحثيثة والمتكررة القديم والحديث منها.
} الجيل الرابع من الجزيرة أبا؟
–     لا نستطيع أن نرسل حكماً كالذي ذكرت بأن الجيل الرابع يقف مديناً للإمام بدون دراسة إحصائية ترصد حجم الأثر الفعلي لتلك المحاولات وما هي النسبة داخل الجيل الرابع ممن يظن تلك الظنون.
} هل تزور “رباح” الجزيرة أبا باستمرار؟
–     لقد زرتُ أبا مرات عديدة بصحبة الحبيب الإمام “الصادق المهدي” وفي كل مرة كان استقباله فيها فوق الخيال من ناحية الحشود والحماسة، ولا تزال أبا ترفد التيار الأنصاري العام بأصلب عناصره، للإمام “المهدي” عليه السلام مقولة حفظناها صغاراً: ناري هذه أوقدها ربي، وأعدائي حولها كالفراش، كلما اقتربوا منها أحرقوا بها وصار أمري فاش. برأيي “الفراش” في أبا لا يزال يحلق ويحترق.

}ماذا تقولين لبعض الأنصار ومنهم من ينتظر عودة الإمام “الهادي” مرة أخرى؟
-أقول قوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، لكني أفهم الملابسات السياسية، والنفسية، والثقافية التي جعلت البعض يعتقد بتلك العودة.
} كأن فكرة الغياب أصيلة عند الأنصار؟
– ساهم المرحوم الشريف “حسين الهندي” في نشر فكرة غيبة الإمام لا استشهاده، لأنه كان حريصاً على حث أكبر عدد للهجرة إثره للحاق بمعسكرات القتال في أثيوبيا ثم ليبيا.
} أخوالي بقريتنا في العزيز (بكسر العين والزاي)، منتظرون عودة الإمام “الهادي”؟
– صحيح ظلت شريحة قليلة جداً تؤمن بعودة الإمام، وأصدرت كتيبات مثل (الغربال)، و(وحي المؤمن)، تبشر بالعودة، ولهذا الأمر أبعاده النفسية والاجتماعية.
}عودة الغياب الطويل فكرة شيعية بامتياز؟
– أجريتُ بحثاً أثناء دراستي للفولكلور حول استشهاد الإمام، ورصدتُ بعض الحالات الشبيهة للاعتقاد بعودة كعودة المسيح، مثلاً عودة “المهدي”، “محمد الحسن العسكري”، لدى الشيعة الأثنى عشرية الذين ينتظرونه على مدى أكثر من عشرة قرون، وهناك من اعتقد بعودة “الحلاج، وفي السودان من اعتقد بعودة الأستاذ “محمود محمد طه”، وحتى بين الأنصار كان هناك من اعتقد بعودة الخليفة “شريف” الذي قتل مع ابني “المهدي”، “الفاضل” و”البشرى” في الشكابة وأثقلت جثامينهم بالحجارة وقذفت في النهر.
} ملابسات حقيقية؟
– نعم و في كل تلك الملابسات جاء غياب أو قتل بشكل فجائي وظالم، وصحب ذلك في الغالب اختفاء الجثمان، فحينما لا يرى أتباع الشخص جثمانه ويدفنوه بأنفسهم، يظل هذا الشك والأماني، لكن الشريحة المذكورة التي تؤمن بعودة الإمام الشهيد على قلتها متضائلة مع الزمن، لأنها محصورة غالباً وسط مسنين معدودين.
} ما هي علاقتك بدارفور كـ”رباح”؟
–    علاقة متشابكة، أنصارية عقدية، واجتماعية وأسرية وشخصية، فدارفور كانت سنداً كبيراً للدعوة المهدية منذ نشأتها وعلى مر عهودها، وهناك جدتنا “مقبولة” أم الإمام “عبد الرحمن” بنت سلاطين الفور.
× “رباح” شخصياً؟
–     أما شخصياً فأمنا التي ربتنا ونشأنا على يديها، “مريم محمد بشارة” التي يسمونها (عرجون)، من البرتي بنواحي مليط، وقد تفتح عيني على لهجة دارفور كلغة أم، وعلى دارفور كصنو للبسالة والاستقامة والنبل ومضاء العزيمة ونكران الذات والتضحية والصبر الأسطوري وجملة من القيم السمحة التي تمثلها أمي “عرجون”، كثيراً ما حثثتها على اصطحابي لزيارة البلد والأهل ولكنها تمنعت باعتبار أن رسالتها هنا وليست في أي مكان آخر، وحينما زرت دارفور لأول مرة في 2004م كان شعوري كأنما أعود للوطن.
}كيف تصفين عالم الأنصاريات لتجمع علماني من بنات ونساء السودان؟
–    تذكرت لدى سؤالك هذا مقطعاً من مسرحية شعرية للمرحوم “خالد أبو الروس”، كتبها في خضم معركة الاستقلال بين الاتحاديين والاستقلاليين، وعلى لسان اتحاديين “تلبوا” في بيت هرباً من مواجهة مد أنصاري عارم، وجدوا ست البيت أنصارية استنكرت فعلتهم فقالوا لها: أها، أتاريك أنصارية، لا بتعرفي الذوق لا كلام الريا!
} كلام عجيب؟
– الأنصاريات تركيز للجرعة السودانية، فهو بلد ظلت النساء يلعبن فيه أدواراً رائدة ومفتاحية منذ عهد الكنداكات، لم يعرفن بأنهن تابعات، بل ظللن يقدن الرأي العام ويوجهن الرجال وقال عنهن “بابكر البدري” الكثير.
} ماذا قال عنهن؟
–      قال إنه كان في حملة “ود النجومي” بأثر من تشجيع والدته “مدينة” رحمهم الله أجمعين، وقد شهد تاريخ الأنصار بعض الرجال الذين بدلوا ضيقاً بمواجهة الشمولية.
}قالت لي السيدة “فاطمة” إن بيت “المهدي” يفتقد للكبير، ما هو تعليقك؟
–    عهد الأبوية أصلاً قد ولى سواء في بيت “المهدي” أو في غيره، والأبوية حالة كانت سائدة في مجتمعاتنا الجمعية قبل أن تلجها صيحات الحداثة والفردانية من جهة، ومحاولات التجريف ونقض النسيج الاجتماعي المقصودة بنهج فرِّق تسد الشمولي، من جهة أخرى.
}هل انتهى الرجل الكبير في البيوت الكبيرة؟
– الحلم بالعودة لوضع الأبوية غير ممكن، بل غير مشروع، وحتى  إبان عهد الإمام “عبد الرحمن المهدي” طيّب الله ثراه، كان هناك من تحدى سلطته الأبوية داخل العائلة الكبيرة، وخرج أقرب أقربيه عن طوعه، بل منهم من سل سكيناً في وجهه! وقبل ذلك أثناء حياة الإمام “المهدي” وقف بعض أقاربه مواقف خذلته، فلفظ قرابتهم وامتنع عن مبادلتهم بالأسرى الأوربيين باعتبارهم أقرب إليه بالتصديق وحسن الصحبة من أولئك الأقارب، لذلك فحلم توحيد عائلة كبيرة حول رمز أو زعيم أو كبير لم تتحقق يوماً ولا حتى في العهد الأبوي القديم.
} مبادرات على الحد الأدنى بينكم كأسرة؟
– لقد أطلق الحبيب الإمام “الصادق المهدي” مبادرات عديدة من قبل لإنشاء مثل تلك الرابطة، وقامت بالفعل روابط للأسرة في القرن الماضي خمسينياته ولكنها توقفت.
}كيف؟
–  مثلاً كانت السيدة “فاطمة” في إحدى المرات مصرة على تهنئة بعض الذين استلموا أموالاً من المشير “عمر البشير” من الأسرة لقاء موقف سياسي مؤيد، ودار بيننا خلاف في أن بعض أفراد الأسرة ونحن منهم، يرون ذلك الموقف تخاذلاً وعلى حساب الموقف الوطني السديد، ولو نطقوا لأدانوه، ولكننا لا نريد أن ندين داخل جمعيتنا الأسرية ولا أن نهنئ، بل نسير بما نجمع حوله، لأن مثل هذه الملفات الخلافية ستفرق حتماً بيننا، ومجالاتها العمل السياسي والعام لا الترابط الأسري.
} الموضوع معقد شوية؟
–    الشاهد، في أسرة “المهدي” الآن شخصيات كبيرة بعلمها وأدبها ومواقفها وتضحياتها وتنازلها عن مصالحها الخاصة لتأكيد قيم التكافل والترابط، وبعضهم مشهود له وطنياً وإقليمياً ودولياً، لكن لا مجال لإجماع حول (كبير) طالما الانقسام المذكور موجود.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية