عز الكلام
هي علياء وكفى..
ام وضاح
لأسباب عديدة وقصص مختلفة بعضها كنت شاهدة عليها وأخرى طقشت أضاني شأني شأن السامعين لها، فقدت كثيراً من ثقتي بالطب في السودان، وإن كنت لم أفقد إطلاقا ثقتي في معظم الأطباء السودانيين المشهود لهم بالنبوغ والتفوق على مستوى العالم، في مفارقة تدعو للدهشة، إذ كيف تحدث أخطاء طبية أحياناً بديهية وأولية تتناقلها الأخبار، وتجعلنا نصل حدا نطلب فيه الاستشفاء في بلاد قريبة وأخرى طيرها عجمي، لكل هذه الأسباب شعرت وكمن يقف عند مفترق طرق بدون هداي ولا بوصلة، وابني يرقد في غرفة الطوارئ بمستشفى الشرطة حيث أسعفه أصدقاؤه فاقدا للوعي، اسأل نفسي ومن حولي إلى أين نذهب “بوضاح” وهو في هذه الحالة؟ أو بمعنى أصح بأي مستشفى سأودع فلذة كبدي، واثق بمن فيه من بشر وإمكانيات تنقذه بالسرعة والدقة والشطارة التي تناسب الحالة التي هو فيها لتبدأ رحلة البحث عن سرير ما في غرفة عناية مكثفة وكل ثانية كانت بالنسبة لنا ثمنها غاليا ليسقط في يدنا جميعا أن فشلنا في إيجاد سرير في كل المستشفيات خاصة أو حكومية، وهذه في حد ذاتها كارثة سأعود إليها في وقت لاحق، المهم أن الأقدار ساقتنا إلى مستشفى علياء بأم درمان، وقد كان بالنسبة لنا مكانا مجهولا ليس لنا عنه سابق معلومات.
وإن كان أحد الأطباء بطوارئ الشرطة قال لي إنه اختيار موفق، ولم اكن ادري لحظتها أن الاختيار تم بعناية إلهية وكرم رباني يفوق حد التصور والفهم، وبالفعل غادرنا إلى علياء على متن إسعاف تابع لمستشفى الشرطة هو الآخر سأعود له لاحقا لأنه لا يمت للإسعاف بصلة سوى كلمة إسعاف المكتوبة عليه، ووصلنا إلى طوارئ علياء، ومنذ اللحظة الأولى دخلتني الطمأنينة والسكينة، أطباء شباب كما الملائكة استلموا “وضاح”، وبسرعة البرق اجروا ماهو لازم من أشعة وصور وكل الإجراءات الأولية، ليطمئنوني أن الرأس سليم بحمدالله وهو عندهم الأهم، وليس هناك مبدئيا سوى كسور مقدور عليها بإذن الله، ثم دخلنا إلى العناية المكثفة وللأمانة ولي سابق تجارب كمرافقة في عنايات بمستشفيات تهز وترز اسما وصيتا، لم أشاهد ماهو متوفر من إمكانيات بها كما شاهدت داخل مستشفى علياء، ومنذ اللحظات الأولى بدأت رحلة إنقاذ ابني بشطارة وبراعة أطباء ترفع اصبعها تحديا أمام أيا من يشكك في شطارة الطبيب السوداني، وهو لعمري واحد من أفلام العبقرية التي لو وجدت من يكتب السيناريو لها فإنها ستحصد بلا شك جائزة الأوسكار وأبطال الفيلم كثر جميعهم يستحقون التصفيق والانحناء ورفع القبعة، على رأسهم سعادة الفريق “خاطر” مدير الإمدادات العسكرية، الذي جاءنا صبيحة الحادث، وكلمني كمن يقرأ أفكاري بصوت الواثق قائلا: (شوفي يا أم “وضاح” لو عايزة تسفري ولدك بره السودان لن تجدي أكثر مما هو متوفر داخل علياء)، وقد صدق الرجل بحديثه ووعده، والمستشفى قمة في الانضباط، قمة في توفير الأجهزة التشخيصية، قمة في توفر الأدوية بشكل لا يستغرق ثوانٍ، قمة القمة في التعامل الإنساني والإحساس بوجع الآخر، حدا شاركونا في محنتنا بل ومحنة آخرين من المرضى وذويهم تقاسمنا غرفة العناية التي تحولت برودتها بدفء المشاعر وفيض الإنسانية إلى رحم دافئ ولدت منه أجمل العلاقات والصداقات الإنسانية الحديث عن علياء يطول، لكن يكفي أن اقول إنني وخلال ثلاثين يوما لم اسمع شكوى من مريض أو ذويه بالتجاهل أو عدم الاهتمام الكل يعمل كما النحلة بلا كلل ولا ملل
جميعهم يتشاركون الأدب والفهم والشطارة والاحترام.
توارثوا الصفات وتقاسموها وكما لو أنهم من عرق جيني واحد هكذا هم جميعا أسرة علياء بدءا من الفريق المحترم الإنسان دكتور “خاطر” ثم ود البلد الأصيل الرجل العلامة الذي يتسابق علمه مع أدبه في أيهم يكسب السباق الدكتور “زكريا الشيخ” المدير العام اختصاصي المخ والأعصاب، ثم الرجل الذي وصفته وصفا جاء عفويا نتاج مراقبة ومتابعة لشطارته وحسن تصرفه وقراراته الحاسمة المنقذة حيث قلت له أنت يا دكتور أكثر ذكاء مما يجب وهو اختصاصي العناية المكثفة الدكتور “عزمي الشيخ” التحية بلا حدود للدكتور “طارق الهادئ” اختصاصي الصدر والعناية المكثفة الذي ومثل ما منحه الله طولا وبسطة في الجسم، منحه طولا في البال وبسطة في العلم حد الدهشة والعبقرية، والتحية للطبيب الإنسان العالم دكتور “محمد المهدي” اختصاصي الجراحة المعروف الذي أخذته عنا غربة طويلة بالمملكة العربية السعودية، والعناية الإلهية وحدها جعلته متواجدا في إجازة يمنح فيها بعضا من علمه لزوار مستشفى علياء والتحية لابنه دكتور “حسام” الشبل من ذاك الأسد، والتحية لجراح الصدر الرجل العالم الدكتور “حسام سليمان” الذي يمشي بين الناس هاشا وباشا ينثر البركة والشفاء بإذن الله، والتحية للطبيب المؤدب المحترم اختصاصي جراحة الصدر دكتور “محمد” الذي لم يتبرم من أسئلتنا ولم يتأخر حين نناديه، والتحية لطبيب العظام جبار الكسور الرجل الملك دكتور “محمد بابكر” الذي بارك لي من يعرفون علمه نجاح العملية حتى قبل أن يجريها والتحية للرجل البركة اختصاصي التخدير دكتور “محمد عوض” الذي اودعناه فلذة كبدنا في كل عملياته وثقتنا أن الله قد ابتعث لنا في شخصه القوي الأمين، والتحية للرجل الودود الموسوعة المعلم الدكتور “كمال عثمان” اختصاصي العناية المكثفة، شكرا دكتور “أحمد” اختصاصي المخ، ودكتور “أحمد” اختصاصي الموجات الصوتية، شكرا دكتورة “عزة”، شكرا دكتور “المحبوب”، شكرا دكتور “يحيى الفضلي”، شكرا المدير الطبي دكتورة “مناهل”، شكرا الجميلة النبيلة “إخلاص”.
والتحية لطاقم الرحمة والإنسانية النجوم الحقيقيين الذين يعملون بصمت وإنسانية بلا ضوضاء ولا أضواء يحتسبون ما يقومون به لوجه الله تعالى، واقصد طاقم الأطباء والسسترات والتمريض داخل العناية المكثفة، التي دخلتها برفقة ابن واحد وخرجت منها بمكسب عشرين ابناً وابنة، فشكرا دكتورة “ريهام”، وشكرا دكتورة “امتثال”، وشكرا دكتورة “وفاء”، وشكرا دكتورة “إيمان”، وشكرا دكتورة “أريج”، شكرا الولوفة العطوفة دكتورة “إسراء”، شكرا دكتورة “حنين”، شكرا الجميلات وضيئات الوجوه والدواخل “تسابيح” و”تسابيح”، “إسراء”، و”زوبة”، “فطومة”، و”نور”، “آسيا”، و”صفاء”، “إسراء”، و”فتحية”، “ميسم”، و”دعاء”، و”انتصار”،
شكرا الإنسان الشاطر طويل البال “خطاب”، شكرا “حسن” وعم “مبارك” و”محمد”، شكرا “جينكي” التي تعلمت منهم الإنسانية والرحمة، شكرا كل طاقم “أسوار، أفراح وسماح وسارة وابتهال ومودة ومنى”، شكرا ود البلد الأصيل “بدر الدين الفادني”، شكرا لكل أسرة علياء، الذين أكدوا أن السودان بخيرو، جزالة في العلم وفيضا من العبقرية متى ما توفرت الإمكانيات سنحتل المقدمة ونبقى الأفضل نتفوق على الآخرين بفيض المشاعر وواسع الرحمة وحدود الإنسانية المفتوحة مد البصر. شكرا مستشفى علياء أن أعدتم إلىَّ ابني بحول المولى سالما غانما واعدتم إلىَّ ثقتي في الطب والطبيب السوداني.
كلمة عزيزة
في أي مكان هكذا تعودنا أن المسؤولين عن الجوانب المالية والحسابات هم غالبا أكثر الناس صعوبة في التعامل ويميلون لسياسة القطع الناشف، إلا الرجل المحترم المهذب سعادة العقيد “محمد عثمان” المدير المالي بمستشفى علياء الذي جمع بين الصلابة والكياسة بين الحزم والمرونة بين الأدب ودماثة الخلق، شكرا لك يا سعادتو، وهذا ليس غريبا على أبناء الجيش السوداني حماة العروض شايلين التقيلة.
كلمة اعز
القناعة التي خرجت بها من مستشفى علياء بعد إقامة تعدت الثلاثين يوما أكدت لي أن الإدارة الحازمة والمسؤوليات المقسمة لدى من يفهم ويعرف ويدري أن الإمكانيات المتاحة بلا سقف وإن الثقة الممنوحة للكوادر السودانية هي الضمان لنجاح أي مؤسسة بل هي الضمان الأكبر لاستمرار هذا النجاح لذا حق لنا أن نفخر أن علياء صنيعة سودانية مائة بالمائة توطن للعلاج بالداخل وتستفز بقية المؤسسات الصحية لتحذو حذوها.