رأي

عز الكلام

الحمد لله
أم وضاح

والحياة تسير بنا كما لو أنها قارب فخيم يقوده ربان بارع يمخر عباب البحر لا تؤخره عن الإبحار أمواج ولا أنواء ولا حتى عواصف، اتكال من فيه من أسرتي الصغيرة على المولى عز وجل، الذي أكرمنا بنعمٍ كثيرة نحمده ونشكره عليها. في عز هذه الرحلة الهادئة أراد الله أن يختبرنا بموجة عالية لم تقلب القارب بحمد الله، لكنها أبعدتنا عن المرفأ أيام، كانت عندنا كالسنوات الطويلة لصعوبتها ومراراتها وقسوتها، وقد امتحننا الله بحادث سير مروِّع تعرَّض له ابني “وضاح” في واحدة من الليالي التي هي كما كل الليالي، كان فيها نديماً وونيساً مع رفقائه وأنداده، ويا سبحان الله أن “وضاح” الذي تعلَّم قيادة السيارة وهو في العاشرة من عمره لم يرتكب خلالها ولو مخالفة سير عابرة، أراد الله أن يحدث له حادث وهو في عربة يقودها صديقه بشارع النيل الخرطوم الذي أصبح متنفس الأسر والشباب، لكنني ويشهد الله أنه رغم فداحة الحادث ومفاجأته، إلا أن إيماني وقناعتي أن الله سينجيه لم يتزحزح ولو لحظة، ربما تغيَّرت لمن ينظر إليِّ، لوهلة، بعضاً من ملامحي وكل ابتسامتي، لكن لم تتغيَّر ولو قيد أنملة ثقتي الكبيرة في أن الله معي، وأنه عند حسن ظن عبده طالما أحسن عبده الظن به، كان الامتحان صعباً وقاسياً ولمت نفسي على ذلك كثيراً، لأنني لم أحسن الاستعداد له، شغلتنا الدنيا بمشاغلها عن الله وذكره بما يليق بعباده الطائعين المؤمنين، لكن تجلَّت قدرته ولم ينسانا حينما احتجنا لعونه، ولم يكن لنا من معين سواه، ورغم فداحة ما كنت فيه، إلا أنني سعدت بالضوء والسلام الداخلي الذي أعادني وأسرتي إلى ذكر الله والرجوع إليه وهو المنقذ والملاذ، ورغم فداحة ما كنت فيه شعرت بالطمأنينة والعناية الإلهية تحيط بـ”وضاح” ساعة بعد ساعة ويوماً بعد آخر، ورغم فداحة ما كنت فيه سعدت وتفاءلت بالمشاعر الدفاقة التي أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم، مشاعر تدفقت شلالات في كرم فيَّاض من الأهل والعشيرة والجيران والأصدقاء وأصدقاء “وضاح” الذين عسكروا لشهر كامل في ساحة مستشفى “علياء”، تركوا أشغالهم ودراستهم وأهلهم، وكنت أرى في عيونهم جميعاً “وضاحاً” ببره وتقواه وضحكته البريئة، كنت ورغم فداحة ما أنا فيه مطمئنة في كنف دعوات صادقة من زوار كثر، عرَّفوني عن أنفسهم أنهم قُراء لـ”أم وضاح” ولن أنسى في حياتي عم “صديق” الذي بكى حتى أبكى من حوله وصرت أصبِّره وأنا من كنت أحتاج يومها لمن يصبِّرني.
كنت أقول لأبنائي ووالدهم وجميعهم كانوا مصدومين مكلومين، إن الله أحبنا مرتين، الأولى حينما ابتلانا بالبلاء الصعب، والثانية وهو يرفعه عنا تجلَّت قدرته حتى تعافى “وضاح” تماماً بحمد الله تعالى، وندعوه أن يكمل عليه نعمة الشفاء، لكن كمان لابد أن أقول إن المشاعر والدفء الذي أحاطني به كل من يعرف “أم وضاح” وأسرتها جعلنا نتجاوز المحنة ونتعافى من آثارها سريعاً، لدرجة أن صديقة تعرف رهافة حسي وضعفي تجاه الآخرين حين يصيبهم مكروه، استغربت ولم تخف ذلك عني، سألتني وأمام مشهد من الحضور من أين لك هذه القوة والثبات والمصاب هو “وضاح” قرة عينك وقلبك الذي ينبض، لأقول لها إنه إيماني بالله ومعجزات حفتنا بها السماء منذ لحظة وقوع الحادث وحتى خروج “وضاح” من العناية المكثفة بحمد الله تعالى هي من ثبتتني ومنحتني هذه القوة.
(الدايرة أقوله) إنني خرجت من الفترة الماضية بنعم كثيرة تضاءلت أمامها المحنة وتقازمت في وجهها.. أولها أصدقاء وأهل وأحباب رمُّمت علاقتي بهم بعد أن تصدَّعت بسبب المشغوليات والجري في الفارغة والمقدودة، وثانيها أنني اكتسبت معرفة بآخرين توطدت علاقتي بهم وهم يطوقونني بجمائل لا تحصى ولا تعد، على رأسهم الحبيب “عبد الرحمن الصادق المهدي” مساعد رئيس الجمهورية، وشيخ “علي” كما يحلو أن أناديه أو الأستاذ “علي عثمان محمد طه” الذي لم يتأخر عن الزيارة والاهتمام والاتصال والدعاء لـ”وضاح” داخل العناية المكثفة والسيد “عوض ابنعوف” وزير الدفاع الذي أخجل حاتم الطائي في مرقده وجعله يتقلَّب وهو يفوقه كرماً ليس غريباً عليه، وقد رفع معنوياتنا بزيارة أولى وأردفها بثانية بصحبة كل رئاسة هيئة الأركان برجالها الميامين، والشكر يمتد للفريق “أحمد أبو شنب” معتمد الخرطوم الذي كان حاضراً منذ اللحظات الأولى في مستشفى “علياء” وأولانا كل الاهتمام  والعناية والاتصال والسؤال والحضور مرة أخرى.
والشكر للأمير “بابكر دقنة” وزير الدولة بالداخلية الذي لم يتأخر عند سماعه الخبر في ساعاته الأولى، والشكر للفريق “هاشم عثمان” مدير عام الشرطة والشكر لكل قيادات الشرطة، والشكر لزملاء “وضاح” بشركة “كوشايت” على رأسهم المدير العام دكتور “محمد عوض” ود. “كمال شداد” و”جمال الوالي”، والشكر للزملاء الأساتذة رؤساء التحرير الأساتذة “الهندي عز الدين” و”صلاح حبيب” والأستاذ “أحمد البلال” والأستاذ “ضياء الدين بلال” والأستاذ “محمد عبد القادر” والأخ “عبد الرازق الحارث” والأستاذ “حسن فضل المولى” الذي قاسمنا الأيام الأولى صباح مساء، ولم ينقطع يوماً عن تفقدنا، والباشمهندس “محمد خير” والأخوين الأساتذة “كمال عبد اللطيف” و”محمد أحمد الكاروري” والأخت “أميرة أبو طويلة” والأخت “سامية محمد أحمد” والأخ “الطاهر حسن التوم” والأخ “عمار شيلا” والإخوة الكرام في الاتحاد العام للصحفيين ممثلاً في رئيسه العام الأستاذ “الصادق الرزيقي” والأخ الكريم “صلاح عمر الشيخ” والأخت “حياة حميدة” وكل أعضاء الاتحاد. أما الزملاء الصحفيين والصحفيات والمذيعين والمذيعات فلا تسعهم هذه الزاوية ولا حتى الصحيفة ليبقى مكانهم القلب، حيث يستحقون أن يكونوا، والشكر أيضاً لكل الفنانين والفنانات الذين توافدوا إليَّ وخففوا عني الكثير، والشكر من قبل ومن بعد لرب العزة الذي بيده أعمارنا وأقدارنا ومصائرنا.
{ كلمة عزيزة
فاجأني بزيارة خففت عليَّ الكثير الفريق “عمر محمد الطيب” نائب الرئيس “جعفر نميري” الذي قال لي إنه افتقد هذه الزاوية وسأل عن صاحبتها وعلم بما حدث ليأتيني حتى مستشفى “علياء” لتجد هذه الزيارة عندي وأسرتي ما تستحق من التقدير والاحترام لرجل بقامة الفريق “عمر محمد الطيب” الرمز والتاريخ.
{ كلمة أعز
غداً أحدِّثكم عن مستشفى “علياء” الأنموذج والمثال والصرح الذي يناطح الثريا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية