الحاسة السادسة
إصلاح العمل وسط الجماهير
رشان أوشي
لم اشئ التعليق على ما حدث نهار تشييع الراحلة المقيمة “فاطمة أحمد إبراهيم”، لأسباب شخصية وأسرية تتعلق بوالدي وعلاقته بالحزب الشيوعي، وكنت على يقين أن السلوك الغوغائي الذي بدر من بعض المنفعلين والباحثين عن أدوار على جثث الموتى لا يشبه أخلاق الشيوعيين ولا علاقة له بما تحدث عنه الزعيم الراحل “عبد الخالق محجوب” في ورقته إصلاح العمل وسط الجماهير قبل أكثر من نصف قرن، ولكن لم يخيب الحزب الشيوعي ظني بأن أوضح في كلمة (الميدان) قبل يومين بأن ما حدث أثناء التشييع مرفوض، وإن واجب العزاء كعادة السودانيين مقبول من كل الناس حتى الخصوم السياسيين التاريخيين، بهذا يهدم الشيوعيون كل من أراد الاصطياد في المياه العكرة، وتمرير أغراض وأجندات سياسية بهدف اغتيال حزب ظل يناضل لأكثر من سبعين عاما لأجل حقوق المقهورين في كل صوب وحدب من الدنيا، حتى انفعال الشباب الخاطئ أثناء التشييع ربما خلفه هدف نبيل، ولكن الناس لا تحاكم بالنوايا وإنما بالأفعال.
في منحى آخر، انتشر تسجيل صوتي للزعيم القبلي الغاضب هذه الأيام “موسى هلال”، يحوي ألفاظاً تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين، تتحدث عن نائب رئيس الجمهورية، الأستاذ “حسبو عبد الرحمن” الذي ينفذ قرار الدولة بنزع سلاح المدنيين والمليشيات في دارفور، تسجيل هلال يؤكد جليا انهيار منظومة القيم السودانية، ويشير بوضوح بأن مجتمعنا يعيش مرحلة الغوغاء التي تعيشها الشعوب في فترة الانتقال والتغيير الاجتماعي، ولكن يبدو أن التغيير الذي يشهده المجتمع السوداني هو تغيير يفضي إلى أزمة أخلاقية طاحنة، تسقط فيها كل القيم وينهار النظام الاجتماعي الذي يحكم الأفراد.
وأنا استمع للتسجيل الصوتي، عادت ذاكرتي إلى التاريخ قليلا، إلى خطب “الشريف حسين الهندي”، والأستاذ “محمد أحمد المحجوب”، عندما كانا نجمي الإعلام والمشهد السياسي، لغة رفيعة، وإلقاء مهذب، يشبه القادة والزعماء، في مقارنة مع أن المقارنة معدومة تماماً في حالة هذا الغوغائي “موسى هلال”، أصابني الإحباط بأن أمثاله هم نجوم الإعلام والمشهد السياسي اليوم.