نصر سياسي
المنتخبات السودانية في المحافل الإقليمية والدولية تسلَّح أبناء المدرب “مازدا” بجينات النصر الكامنة في أدمغة اللاعبين السودانيين، وكانت ليلة (السبت) في عاصمة كردفان بمثابة فرحة في عتمة الحزن وضوء في هجعة الليل ونصراً في نهار الهزائم والانكسارات التي دحرجت السودان إلى مقام لا يستحقه ولم يمارس قادة الرياضة الهروب من الواقع بذريعة الاستهداف والتجني من الدول الاستعمارية مثلما يفعل السياسيون حينما يفشلون في أداء مهامهم يرمون باللائمة على دول الاستكبار المتربصة بالشعب حيناً وبالدين طوراً، لكن نظام (الفيفا) في إحصاء النقاط التي تستحقها الدول لا يتسرَّب من بين يديه شبهات التحيز والتجني إذا انتصر المنتخب منحت الدولة نقطة وإذا هزم ينتقص رصيدها في بنك النقاط.
في قلعة شيكان التي أعاد إليها “هارون” الحياة بعد الموت المعلن وضخ في شرايين الرياضة إكسير الحياة كانت ليلة (السبت)، في الأبيِّض حدثاً يستحق القراءة لماذا انتصر أولاد “مازدا”؟ وهل هي شهقة عابرة أم صحوة قادمة؟ وبين هذا وذاك كان الواقع يقول إن أربعة رجال كانوا وراء تهيئة بيئة النصر وصب قاعدة البناء أولهم “حسبو محمد عبد الرحمن” الفال الحسن للرياضيين وهو يرعى المنتخب دعماً وتشجيعاً ومؤازرة وحضوراً في ميدان المعركة التنافسية الشريفة، وثاني الرجال والي شمال كردفان الذي يسوس الناس بمداخل غير تقليدية جعل من الأبيض مسرحاً لمباريات المنتخب القومي ونفخ بذلك روح القومية وإحساس مواطني شمال كردفان بأنهم قلب السودان لم يهمشهم أحد وليس أفضل منهم ولاية أخرى والآلاف التي زحفت سيراً على الأقدام وعلى ظهور مواتر التكتك لم تأت من أحياء كريمة والرديف وفلسطين والقبة أروبا وود الياس وأبو شرا، إلا من أجل التصفيق بحرارة لهمسات “مهند الطاهر” تفاحة الشرق وشوتال كسلا، حينما يداعب بأقدامه الذهبية معشوقته الأبدية ومع كل آهة يقول الفريق “السر حسين بشير” رئيس أركان القوات البرية الهلالي الوسيم: يامولانا معقول لاعب مثل “مهند” يشطب من الهلال؟ ويرد عليه الجنرال “خوجال” رئيس نادي الهلال الأبيِّض: ياسعادتك هو الآن بيلعب في فريق أكبر من هلال أم درمان.
وثالث رجالات صعود منتخب السودان للنهائيات هو رجل الأعمال “حسن برقو” رئيس لجنة دعم المنتخبات الوطنية، وهو يدفع من ماله الخاص قيمة تذاكر المنتخب ليسافر لبورندي حينما تعذَّر على الاتحاد توفير قيمة التذاكر، وإذا كانت السياسة قد جعلت “حسن برقو” بعيداً عن سربه وحزبه الحاكم، بل وضعته السياسة في غياهب الجب سجيناً فقد أعادته الرياضة للواجهة لامعاً مصقولاً بانتصارات المنتخب ورابع الرجال الذين نفحوا المنتخب بروح الانتصار هو المدرب الفذ “محمد عبد الله مازدا” وطاقمه الوطني المساعد “برهان” و”محسن” و”جبرة” خريجو مدرسة المريخ العريقة،
كانت ساعة النصر هدفاً بديعاً من الموهوب “السماني الصاوي” أحد نفحات مواهب السودان في زمان مضى بهدوء يشبه برود “منصور بشير تنقا” وبذكاء “دحدوح” وعنفوان “عصمت الامتداد”، وضع “السماني” الكرة بمكر ودهاء وحنكة في شباك المنتخب الأثيوبي العنيد وانفجرت شلالات الأفراح من المقصورة الرئيسة، وضع “حسبو” عصاه التي يهش بها المتفلتين بين فخذيه وصفق بحرارة لروعة الهدف وبهاء المكان وثورة قلعة شيكان وهي تهز فرحاً بتأهل المنتخب لنهائيات (الشان) ليسجل أبناء “مازدا” وجوداً في منافسة أطاح فيها أسود الأطلس أبناء طنجة وفاس والدار البيضاء بالفراعنة المصريين وأبعدوهم من ساحة التنافس، كما أبعدت ليبيا تونس. وانتصار المنتخب في ليلة (السبت) كان ابتسامة في وجه الزمان الشين وبصيص أمل في حاضر غابت عنه جماليات الحياة،
انتصرت إرادة أبناء المدرب “مازدا” على كل الظروف وفرح الشعب لانتصار جاء بعرق متنوع المشارب والاتجاهات سكب المهاجم “سيف مالك” عرق جبل أولياء ليمتزج بدم “بوغا” فارس دار جعل ولعب للمنتخب بفدائية المدافع الفولاذي “بكري بشير” سليل ركابية بارا وحرس المرمى ود “الهادي سليم” وملأ وسط الميدان حيوية الشبل “أبو عاقلة” وكان فارس ليلة (السبت) وعريسها “السماني” الذي أضاعه “الكاردينال” ودفعه ليوقِّع المريخ بدلاً عن الهلال، وكانت ساعة النصر في قلعة شيكان في يوم من أيام الكرة السودانية وهي تمنحنا الفرح بعد طول هزائم.