تقارير

أثيوبيا والسودان يتهيئان لقيادة تكامل اقتصادي في القرن الأفريقي

“ديسالين” يختتم زيارة الأيام الثلاثة للخرطوم ويغادر اليوم
الخرطوم – محمد جمال قندول
لا يخفى على جموع المراقبين والمتابعين للشأن السياسي بدولتَيْ السودان وأثيوبيا حالة التقارب الكبير التي وصلت إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية، الأمر الذي يجعل وسائل إعلام البلدين تحتفي بالزيارات المتبادلة للقيادات، بين الحين والآخر، من أديس أبابا إلى الخرطوم والعكس.
شكَّلت زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي “هايلي مريم ديسالين” على رأس وفد كبير من حكومة بلاده إلى الخرطوم والتي استغرقت (3) أيام، واختتمت أمس (الخميس)، محور اهتمام المراقبين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، خاصة في ظل اضطراد التعاون الكبير الجاري بين البلدين على كافة المستويات.
وحل “ديسالين” بالخرطوم في الرابعة من عصر (الثلاثاء)، بمعيته وزيرة الدولة بالخارجية، ووزير الإعلام والاتصالات ضمن وفد كبير من مسؤولي حكومته، وكان في استقباله بمطار الخرطوم رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”، وجرت  مباحثات بين الرئيسين مباشرة مساءً  بالقصر الجمهوري، ثم امتدت المباحثات على مستوى وزراء الدولتين يوم (الأربعاء)، قبل أن تختتم الزيارة أمس، بإلقاء رئيس الوزراء الأثيوبي محاضرة عن القرن الأفريقي بقاعة الصداقة وسط حضور كبير، من المسؤولين والباحثين والعلماء، في ندوة استمرت ساعة ونصف الساعة، قبل أن تختتم الزيارة بـإصدار  بيان مشترك بجانب مؤتمر صحفي للرئيسين “البشير” و”ديسالين” بالقاعة، في الواحدة من ظهر أمس. وكان  “ديسالين” نائب رئيس الجمهورية، قد التقى “حسبو محمد عبد الرحمن”، كما أجرى رئيس الوزراء الأثيوبي “هايلي مريام ديسالين” ووزير دفاع بلاده، أمس، مباحثات مُغلقة مع وزير الدفاع الفريق أول “عوض بن عوف”، وعدد من قيادات الوزارة.
محاضرة في القرن الأفريقي
ومنذ وقت مبكر من صباح أمس (الخميس)، توجه الكثيرون من المهتمين والمراقبين على صعيد البلدين للشأن السياسي والاقتصادي بجانب الجالية الأثيوبية وغيرهم لحجز مقاعدهم منذ وقت مبكر، وذلك لحضور المحاضرة التي يقدِّمها رئيس الوزراء الأثيوبي بتنظيم من مركز الدراسات الإستراتيجية برئاسة الجمهورية، بعنوان :(فرص القرن الأفريقي لقيام مجموعة اقتصادية في القرن الأفريقي).
واستعرض “ديسالين” بمعلومات وافرة  الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي. وقال: إن مؤشرات التنمية في المنطقة عكست تطوراً ملحوظاً، والمواطنون الذين يعيشون تحت خط الفقر، انخفضت نسبتهم الأمر الذي  يشير إلى فرص الاعتمادات على الذات وتوفير فرص كسب العيش.
وأضاف خلال مخاطبته الحضور بأن منطقة القرن الأفريقي عانت من الجفاف والتصحر، وقال: إذا لم نبحث عن حلول فسوف تعاني أكثر، خاصة بلدان جيبوتي، اريتريا، أثيوبيا، الصومال والسودان، وهي تقع في منطقة إستراتيجية تربط أفريقيا بالشرق الأوسط وأوروبا، وتقع في منطقة بها طرق جوية وبحرية ومنافذ بحرية، فضلاً عن مصدر النيل الذي يجعل أفريقيا منطقة مهمة مثلما جعلها عرضة للتدخل من القوى الدولية. ومنطقة القرن حباها الله بموارد طبيعية منها الأرض الخصبة التي لم تزرع من قبل والمياه الوفيرة وموارد النفط والغاز والحياة البرية والمناخات المتعددة وموارد الطاقة البديلة والثروات البحرية والنباتات الطبيعية والسلع الزراعية، والتي تكون أكثر من (60%) من صادراتنا، والفرص المتاحة. وإذا لم نكن اقتصاديات عملاقة فلن نستطيع أن ننافس. وهناك فجوة في الوقت الذي تنتقل فيه البلدان المتقدِّمة في سلم الاقتصاد، ونحن لم نستطع أن نسد الفجوة. يجب أن نقلل الاعتماد على السلع المستوردة، وإضافة قيمة لمنتجاتنا، وأولويات هذه المنطقة التحوُّل الهيكلي لاقتصادنا. والمنطقة بدأت ترتبط بالعالم الخارجي والسياحة والاقتصاديات العالمية.
وأشار إلى وجود تحديات في ذات الوقت بجانب أن المنطقة ظلت تعاني من نزاعات وصراعات واتسمت بعدم الاستقرار السياسي والحرب البينية، التي جعلتها تعيش تحت خط ضعف التنمية والمجاعة، بجانب أنها ظلت عرضة للمجاعة أضيف إليها قضايا الاتجار غير الشرعي والتهريب والحراك غير القانوني بالطرق الخطرة.
وواصل قائلاً: سمعنا عن انعدام الديمقراطية والحكم الراشد في منطقتنا، واعتقد بأنه آن الأوان لكي نتحدى القصص والافتراضات، وأن نعيد صياغة صورتنا، وذلك قطعاً لن يتم إلا بالتكامل الاقتصادي.
كما تناول “ديسالين” العلاقات بين دول المنطقة، وأوضح بأنها كانت تتسم بانعدام الثقة لأسباب غير مقنعة.
“حسبو” و”ديسالين”.. ملفات على الطاولة
وضمن برنامج الزيارة سجَّل نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن”، زيارة إلى رئيس الوزراء الأثيوبي بمقر إقامته بفندق “كورنثيا” يوم أمس، وجمعهما لقاء تطرَّق خلاله الرجلان لملفات عديدة بجانب العمل على تطويرها حتى تخدم مصالح الشعبين.
وبحسب السفير “عبد الرحمن حمزة”، (مكتب نائب رئيس الجمهورية)، فإن اللقاء تناول كيفية تحقيق السلام في منطقة القرن الإفريقي، خاصة في جنوب السودان، باعتبار أن السلام في الجنوب قضية جوهرية تحظى باهتمام القيادة السياسية في كل من السودان وإثيوبيا، مشيراً إلى أن نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الإثيوبي اتفقا على عقد اجتماعات اللجنة الاقتصادية العليا المشتركة بين البلدين في منتصف سبتمبر القادم بالخرطوم.
 واختتم “حمزة” حديثه في إفادات لوكالة السودان للأنباء بالقول إن اللقاء تطرَّق، أيضاً، إلى الاتفاقيات والبرتوكولات الموقعة بين البلدين في إطار اللجنة الاقتصادية العليا المشتركة، مبيِّناً أن أعمال هذه اللجنة تحظى برعاية واهتمام كبيرين من المشير “عمر البشير” رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الإثيوبي.
لقاء وزيرَيْ الإعلام
إلى ذلك بحث وزير الإعلام د.”أحمد بلال عثمان” مع نظيره الأثيوبي “نقري لاتشو” أوجه التعاون الإعلامي بين السودان وأثيوبيا، وذلك بمقر وزارة الإعلام بالخرطوم صباح أمس (الخميس).
وعبَّر وزير الإعلام الأثيوبي “نقري لاتشو” عن سعادته بزيارة الخرطوم، مؤكداً خلال تصريحات صحفية على الروابط والعلائق التي تربط بين السودان وأثيوبيا، والتي تنعكس إيجاباً على العلاقات الإعلامية، وأعرب في ذات الوقت عن أمله في أن تستفيد بلاده من خبرات السودان، خاصة في تطوير مهارات اللغة العربية في الأجهزة الإعلامية الإثيوبية.
فيما قال د.”أحمد بلال” في تصريحات صحفية، إن اللقاء تطرَّق إلى أهمية تفعيل وتنشيط اتفاقية التعاون المشترك في المجال الإعلامي عبر تبادل المعارف والخبرات الإعلامية والزيارات والدورات التدريبية، مشيراً إلى أن الاتفاقية تضمَّنت التعاون بين المؤسسات الإعلامية الرسمية في البلدين والمتمثلة في وكالة السودان للأنباء والهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، لافتاً إلى أنه تم الاتفاق على التواصل المباشر بين وزارتَيْ الإعلام في البلدين من خلال الزيارات المتبادلة .
مؤتمر صحفي وبيان مشترك
وفي ذات الوقت عقد الرئيسان مؤتمراً صحفياً تم خلاله التوقيع على البيان الختامي المشترك. ووقع عن الجانب السوداني وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور”، ومن الجانب الإثيوبي وزيرة الدولة بالخارجية.
 المؤتمر قدَّمه وزير الإعلام ” أحمد بلال”، وكان حضوراً فيه وزير الكهرباء د.”معتز موسى”.
ورحَّب رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” برئيس الوزراء الأثيوبي والوفد المرافق له بجانب الإعلاميين الذين احتشدوا لحضور المؤتمر الصحفي، مؤكداً سعادته بتبادل الزيارات والتشاور المستمر بين البلدين، لتقوية العلاقات بجانب النظر فيما يهمنا من قضايا إقليمية ودولية. وأضاف “البشير” بأن الوفد المرافق لـ”ديسالين” أجرى مباحثات مع نظرائه بالبلاد حول مصلحة البلدين بجانب العمل على تطوير العلاقات بالمجالات مختلفة. وثمَّن الرئيس العلاقات القوية بين البلدين.
وأكد رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” تطابق وجهات النظر بين السودان وإثيوبيا، ووجود إرادة سياسية قوية لتطوير علاقات البلدين الثنائية، والوصول بها إلى مرحلة التكامل في كافة المجالات.
كما أشار “البشير” إلى عدم وجود خلاف حول مرجعيات ترسيم الحدود بين البلدين، واسترسل قائلاً: هناك اتفاق تام على ترسيم الحدود على الخُرط، وما تبقى فقط وضع العلامات على الحدود، مشيراً إلى وجود آليات عليا ووزارية وفنية وأمنية لرعاية وحماية الحدود بين البلدين وتأمينها.
وأضاف “البشير” أن الجو الآن أصبح مهيأً تماماً لقيام مجموعة القرن الأفريقي الاقتصادية، لترعى مصالح دول القرن وتلَّبي طموحات ورغبات قياداته السياسة وشعوبه.
وفيما يتعلَّق بسد النهضة لفت رئيس الجمهورية إلى أن توقيع اتفاق المبادئ بالخرطوم، وضع الإطار القانوني والدستوري لعلاقات الدول الثلاث         (السودان، ومصر وإثيوبيا) حول سد النهضة.
وتطرَّق “البشير” كذلك إلى الخلافات الخليجية، وقال إن موقف السودان  واضح وهو دعم المبادرة الكويتية، وقال: إننا نركِّز جهودنا على ذلك حتى يعود الصفاء بين دول الخليج، مشيراً إلى أن هنالك آثار سالبة تترتب على الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي جراء الخلافات.
إلى ذلك أكَّد الرئيس الأثيوبي عمق العلاقات التي تجمع البلدين وضرورة العمل على تطويرها لتصب في مصلحة الشعبين. وأشار إلى أن قضية سد النهضة فنية بحتة، وتحل في إطارها الفني بعيداً عن التقاطعات السياسية، ونوَّه “ديسالين” إلى أن السودان وأثيوبيا قادران على قيادة تكامل اقتصادي يسهم في التنمية الاقتصادية لدول القرن الإفريقي، كما أكد أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة في مجال القطاع الخاص والعاملين بين البلدين، وأن هنالك تبادلاً تجارياً بين البلدين يمكن أن يسهم بالاستفادة منه في تعزيز البني التحتية.
واعتبر رئيس الوزراء الأثيوبي أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التطوُّر في مجال الاتصالات وغيرها وأنه يجب علينا التعاون بصورة أشمل خاصة في مجال التجارة.
زيارة استثنائية
وبحسب مراقبين فإن الزيارة كانت ناجحة وحظيت باهتمام كبير من قيادة الدولة السودانية بجانب الإعلام السوداني الذي ظل حاضراً خلال كل فقرات برنامج الزيارة التي تأتي في ظل ظروف استثنائية، جعلت من الخرطوم كرتاً إقليمياً مهماً لكل دول الجوار، بجانب أن الزيارة تأتي امتداداً للعلاقات المتميِّزة التي ظلت تربط  أديس والخرطوم والحرص على تأكيد تعاونهما بكافة المجالات .
ويشير المراقبون إلى أن سد النهضة بجانب ملف السلام بدولة جنوب السودان شكَّلا محوراً ذا خصوصية لزيارة “ديسالين” لكون أن السد دار حوله الكثير من الجدل خلال الفترة الأخيرة، فيما يخص الانتهاء من التقارير الفنية، وملء البحيرة وخلافها، إضافة إلى أن ملف الجنوب بات يؤرق دول الجوار، وتظل أثيوبيا تكتسب أهمية مضافة بهذا الخصوص لكون أن عاصمتها الزهرة الجميلة، أديس أبابا باتت مطبخ القرار الأفريقي.
وتكتسب الزيارة الأهمية، أيضاً، من الملفات المشتركة ما بين البلدين على غرار اتفاقية “عنتيبي” للمياه، بجانب ترسيم الحدود المشتركة والحد من الجرائم العابرة مثل تهريب البشر، العمل على ضرورة التعاون بالمجالات الاستثمارية المختلفة خاصة مع اتجاه أثيوبيا لرفع حجم الاستثمارات بالسودان خلال الفترة المقبلة. وبدا واضحاً كل ذلك من خلال سلسلة اللقاءات المشتركة والمكثفة التي عقدها الوفد الأثيوبي مع نظيره السوداني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية