رأي

مسألة مستعجلة

تحية لك بقدر جلالك
نجل الدين ادم
أحياناً كثيرة تسرقنا زينة الحياة وغرورها وزخرفها عن النظر لعبر الحياة بكل تفاصيلها، واستذكار أن الموت يحيط بنا دون أن نراه، ننسى أو نتناسى العمل من أجل أن نكون على استعداد لمفارقة محطة الحياة، ولكنها العبر تأتي إلينا في بعض الأحيان كرهاً وتحاصرنا عندما يكون الفقد لمن هم أقرب إلينا أو أكثر التصاقاً. فقدنا خلال الفترة الفائتة أعزاء من ذوي القربى وبعض من الأصدقاء الواحد تلو الآخر دون أن نودعهم، فكان فراقهم مراً ونبأ رحيلهم صاعقاً، ولكنها إرادة المولى عزّ وجلّ يأخذ أمانته عندما يحين وقتها.. لهم الرحمة والمغفرة.. ولكن يظل الفراق المفاجئ لمن يجولون بخاطرنا دوماً وتحول ظروف الحياة دون لقائهم، هو الأصعب، وفي ذلك عبر وحكم لا بد أن نقف عندها، وامتحان لا بد أن نثبت فيه، نعبر هذا الفراق تسليماً بالقدر وإيماناً به، وهذا الألم الذي ذكرته حل بي، وأحد الأصدقاء ينقل لي خبر رحيل رجل قامة وشهامة، رجل تحيط به الإنسانية، عرفناه عادلاً وورعاً يحفظ لكل من يعرفه منزلته، رحل صاحب الابتسامة والوجه الصبوح “جلال ميرغني عبد النور قيلي” أحد رواد الحداثة في عالم الطباعة والنشر رغم صغر عمره مقارنة مع عتاة العاملين بهذا الحقل، سكب “جلال” وأخواه اللذان يكبرانه التوأم “جمال وكمال” عصارة جهدهم ليرسموا تاريخاً ناصعاً من العطاء في عوالم الطباعة وهم يقودون مسيرة واحدة من أقدم وأعرق المطابع السودانية، مطبعة (السودان الحديث) الأم التي خرجت من صلب والدهم الإداري المعروف والأشهر “ميرغني عبد النور” مفتش الحكومات المحلية الأسبق.. رحل “جلال” الذي تعلمنا منه كيف يبني الإنسان حياة هانئة دون أن يرهق الآخرين، يكد فيها ليكسب ويُعلم نفسه لنفعها والآخرين.
 كان الراحل أول من التقيته في عالم العمل العام قبل أن أبلغ مراحل التعليم العالي والجامعي، استقبلنا شباباً يافعين، علمنا كيف نكسب ونؤهل أنفسنا، عملت معه لأكثر من عشر سنوات من مسيرة الكد والعمل، واصلنا معهم العمل حتى بلغنا كل مراحلنا التعليمية واحدة تلو الأخرى.. شجعنا أن الجامعة ينبغي أن تكون الهدف للعبور إى عوالم أخرى، وقد كان.
رحل “جلال” وله دين علينا وهو يفتح لنا قلبه وفكره.. رحل دون أن نرد له شيئاً من هذا الدين الثقيل وهو رد الجميل والصنيع، ظل دوماً منصفاً لنا وحامياً.. كان فرحاً لنجاحنا في حياتنا العامة عندما ولجت عالم الصحافة، لكنها مهنة المتاعب حجبته عنا، قبل أن نودعه.
لك الرحمة والمغفرة يا “جلال” بقدر جلالك وعلو قدرك.
 أحر التعازي لأبنائه ولأهله ومعارفه ولأخويه رفيقي دربه “جمال” و”كمال”، ولدكتور “طلال”، وابن أخته رفيق دربه وساعده الأيمن “سامر”، وأخواته.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).    

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية