مسامرات
نقاط ضد الهذيان
محمد إبراهيم الحاج
{ جمعني حديث مطول مؤخراً مع الموسيقار “أبو عركي البخيت”، وباغته سريعاً بالسؤال الملح والمتجدد: لماذا تحجب نفسك عن معجبيك وهم يمنون أنفسهم مراراً وتكراراً بحفل يمسح به الناس رهقهم.. وتعود به الخرطوم إلى بهائها الفني؟ فصدمني “عركي” برده لأن به نبرة لم أعهدها فيه من قبل، واخبرني بقوله: (ما عندي نفس للغناء والله)، ولفت إلى أن الحال في البلاد لا يحفز أحداً على الغناء.. أبلغته أن بغنائه يرجع (الحب لزمنا) و(تضوي نجمات المحنة).. ولكنه استعصم بصمته النبيل مرة أخرى.
{ “أبو عركي” يدرك تماماً دوره الإنساني والوطني.. أبلغني وقتها بعض مقاطع أغنيته الجديدة التي يعمل الآن على إكمال وضع الألحان لها وسينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يكشف من خلالها عن زهده في الغناء في الوقت الحالي.
{ “أبو عركي” (أيقونة) سودانية ضد هذيان تسطيح الفن.
{ (مسامحك يا حبيبي) أيقونة “عثمان حسين” الغنائية التي (لاكتها) حناجر المطربين الشباب حتى أفقدتها روعتها لكثرة ترديدها وتشويهها، لماذا لا يكون مجلس المهن الموسيقية لجنة خاصة تعنى بالمحافظة على إرث الكبار الفني من التغول عليها، وقتها أجزم أن كثيراً من المطربين الشباب سيجدون أنفسهم مجبرين على إنتاج أعمالهم الخاصة.. و(ليفعلوا بها ما يشاءون).
{ “أبو عفان” صوت شجي ضد هذيان الاستسهال.
{ من أراد أن يختبر حقيقة مقولة أستاذنا الراحل “محمود أبو العزائم” (سمح الغنا في خشم محمود) فإنني أنصحه بالاستماع إلى رائعة الحقيبة (الأهيف) بصوته.. فهي توضح الفروقات الكبيرة بين (الحوت) وبقية المطربين.
{ (الحوت) نجم حقيقي ضد هذيان النجومية المزيفة.
{ المخرج والممثل “محمد نعيم سعد”.. رجل بسبع رئات من الإبداع.. منحه الله موهبة و(بسطة) في تقمص الأدوار عندما يمثل.. ورؤى إخراجية غير تقليدية متى ما وجد النص الجيد ودونكم مسرحية (المهرج) التي برأيي هي أنجح عمل مسرحي سوداني في التاريخ.. الموهبة هبة ربانية لا تستحدث ولكنها تتطور وتُصقل بالعمل والتجريب والخبرات التراكمية التي تنتج عن العمل المتواصل.. لماذا لا يمنح “محمد نعيم” كل جهده القادم في إنتاج عمل تلفزيوني كبير يوثق من خلاله للحركة الفنية والثقافية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؟ فهو قادر على صنعه فقط إذا توفرت له معينات الإنتاج.
{ “محمد نعيم سعد”.. (زول مفتول من حبال الدهشة) ضد هذيان البالونات الممتلئة فراغاً.
{ عندما يكتب “عثمان البشرى” شعراً، تحس أن باللغة العربية والعامية السودانية أحرف زيادة.. وكلمات أكثر من تلك التي نسمعها يومياً.. عندما يكتب “عثمان البشرى” بأعصابه يخالجك الإحساس أن الكون يصغي لحدائه.. هو نجم حقيقي تخلق فطرياً بين الناس والخيبات وتشكلت موهبته بمعافرة الحياة ومخالطة المثقفين الحقيقيين.
{ “عثمان البشرى”.. زول (كائن خلوي ناضج) ضد هذيان (الأصوات الشعرية المصنوعة).
} مسامرة أخيرة
يا ريتك كنت معاي يا ريتك
كان دوبت أعصاب الناي في
كاس وسقيتك
غنوة بتسبح عكس الخوف أيامك
وكلما طريتك
داهمني حنين للشاي في بيتك
يا معطون في البال ومشتت
عبر مسام الحاجة وجِلدِ الحلة
طقس مميز إنو أحجي الكون بلونك
وأحلب ضي النجمة أغني أمني
لهاث الجوف بكونك
وقبل ما أعشي ولاد الشوق
باللهفة عليك
عشيتك
يا ريتك
كنت معاي
يا ريتك
“عثمان البشرى”