الجيش!!
ظلت القوات المسلحة السودانية صامدة في المعارك التي تخوضها والحروب التي اشتعلت في السودان منذ عام 1955م، أي قبل إعلان الاستقلال من داخل البرلمان وحتى اليوم.. والحروب في هذا البلد لم تتوقف إلا لتشتعل مرة أخرى، وحينما وقَّعت حكومة مايو اتفاقية أديس أبابا 1972م، دخلت القوات المسلحة في استراحة قصيرة.. تم من خلالها إعادة تنظيم الجيش وتدريبه وتحديث أسلحته وتطويرها.. ولكن لم تمض أحد عشر عاماً، على توقف الحرب إلا واندلعت الحرب من جديد في عام 1983م.. وظلت القوات المسلحة صامدة تقاتل بشرف ومهنية لم تنتهك عرضاً أو تخرق القانون الإنساني في جنوب السودان، كانت أحضان القوات المسلحة ملاذاً للعائدين والهاربين والمستسلمين والأسرى.
وتطورت الحرب في الجنوب من داخلية إلى حرب شبه إقليمية بدخول دول الجوار اريتريا وأثيوبيا ويوغندا كطرف مباشر، فيما عرف حينذاك بالعدوان الثلاثي.. وانتهت حرب الجنوب باتفاقية نيفاشا التي مهَّدت لفصل الجنوب، وكان تقدير السياسيين أنها الحرب الأخيرة.. ولكن قبل الانفصال اندلع النزاع في دارفور ونشب الحريق في المنطقتين مرة أخرى.. وواجهت القوات المسلحة الحرب الجديدة بثبات، ولكن دخول عناصر غير عسكرية كقوة مساندة كانت نتائجه كارثية.. قادت لاتهام بعض المسؤولين بخرق القانون الإنساني.. وطالبت محكمة لاهاي بتسليم هؤلاء لمحاكمتهم.. ولكن الرئيس رفض لأسباب أخلاقية، وقد دفع الرئيس ثمن ذلك أن تمت المطالبة بتقديمه هو أيضاً للمحاكمة.. وقد استطاعت القوات المسلحة أن تفرض وجودها في دارفور وتهزم مليشيات التمرد وتقضي على عنفوانها وفي المنطقتين تم استرداد أغلب المناطق التي سيطرت عليها الحركة الشعبية، وفي خضم تلك المعارك خسرت القوات المسلحة بعض المعارك، ولكنها لم تهزم مطلقاً في ميادين النزال ولم ينكسر عظم الجيش الوطني الذي ظل يقاتل لأكثر من (45) عاماً، ولم يسجل في دفاتر التاريخ أن دولة في العالم ظل جيشها يحارب لمدة (45) عاماً، دون أن يتعرَّض للانكسار والهزيمة والتقهقر والتصدُّع.. ولكن جيش السودان الذي يحتفل هذه الأيام بعيده السنوي الذي يوافق الرابع عشر من أغسطس ظل صامداً.. وشامخاً ووطنياً في توجهاته.. وقد فشلت كل محاولات الأحزاب جعل القوات المسلحة أمانة من أماناتها ومطية تحقق بها مشروعاتها، وقد استعصى على الشيوعيين الإمساك بتلابيب “جعفر نميري” و(تسييره) وفق إرادة الحزب، فانقلب “النميري” على الشيوعيين وأودع قادتهم السجون وتحرر من وصايتهم على مايو.. وكذلك فعل الرئيس “عمر البشير” الذي حينما شعر بأن بعض قادة التيار الإسلامي المساند لحكومته حاول أن يملي عليه إرادته نفض يده عن سيطرة الحزب وقاد البلاد بطريقته الخاصة.. وحافظ “البشير” على قومية القوات المسلحة باختيار أكفاء القادة لرئاسة الأركان، وأسند وزارة الدفاع لأهل الاختصاص ونأى بها من التسييس الضار، لذلك ينظر المواطنون لقادة القوات المسلحة بعين الرضا.. والاطمئنان بأن البلاد في مأمن من الانزلاق للفوضى.. ولم تنكفئ القوات المسلحة على الداخل، بل كانت لها مشاركات كبيرة خارجياً في جبهة الردع العربية.. وقوات حفظ السلام في الكنغو، واليوم تحارب القوات المسلحة في اليمن السعيد وهي القوات العربية الوحيدة التي تقاتل على الأرض وتتحمل تبعات المواجهة، بينما بقية مكونات التحالف العربي تقاتل بالطائرات من ارتفاع شاهق خوف الموت.. ولكن الجندي السوداني لا يهاب الموت إن هو أقبلا.
شكراً لقواتنا القومية في عيدها السنوي وهي تعطي كل شيء من أجل هذا الوطن.