رأي

بعد .. ومسافة

“أم درمان” عندما يمضي الأمسُ بالنحس!
مصطفى أبو العزائم

كان يوم الأمس، من أيام مدينة “أم درمان” الخالدة، وكان يوماً مشهوداً ليس لعاصمتنا الوطنية وحدها، بل لكل منطقة غرب النيل، وهذه نقولها ونطلقها بلا تحفظ، إذ أن هذه المنطقة على امتداد النيل ظلت فقيرة إلى أدنى حدود الفقر في بعض جوانب الخدمات الصحية، وقد لا يصدق أحد أن مدينة مثل “أم درمان” بكل تاريخها وعراقتها وأثرها وتأثيرها في الفعل السياسي بالسودان، كانت تفتقر حتى يوم أمس (الثلاثاء)، إلى مركز متكامل للقلب وأمراضه وسبل ووسائل علاج أمراض القلب التي أضحت واحدة من أمراض هذا العصر، وربما لا يوجد في مدينة “أم درمان” مركز قلب واحد أو قسطرة قلب علاجية إلا في واحد من المشافي الخاصة، وهي قطعاً للمرضى القادرين، وكان المريض الذي تداهمه النوبة والأزمة أمام ثلاثة خيارات، الأول أن يعبر كوبري النيل الأبيض صوب الخرطوم ليذهب إلى مستشفى الشعب، حيث أقدم مركز للقلب بالسودان، أو أن يعبر كوبري شمبات ليتجه نحو مستشفى “أحمد قاسم” الذي يضم أحد أحدث وأكبر مراكز القلب في البلاد، أو أن يقعده المرض القاتل إن عجز عن التواصل مع أي من مراكز القلب الحكومية إن لم يكن يملك تكلفة العلاج عالي القيمة.
كان يوم الأمس، مشهوداً وعظيماً، عندما قص الفريق ركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” والي الخرطوم، وفي معيّته البروفيسور “مأمون حميدة” وزير الصحة بالولاية، والأستاذ “مجدي عبد العزيز” معتمد محلية “أم درمان”، الشريط التقليدي معلناً عن افتتاح وتشغيل مركز القلب والقسطرة العلاجية بمستشفى “أم درمان”، ثم يضع بعد ذلك حجر الأساس للامتداد الجديد لمستشفى البقعة الاستثماري التابع لمستشفى “أم درمان” ليصبح اليوم الثامن من أغسطس الحالي، يوم يستحق أن يحتفل به أهل “أم درمان” التي يتجاوز عدد قاطنيها الخمسة ملايين نسمة، ونقصد هنا مدينة “أم درمان” الكبرى التي تتمثل في محليات أم درمان وكرري وأمبّدة مع كامل الريف الشمالي والجنوبي الممتد حتى حدود ولاية الخرطوم مع ما جاورها من ولايات.
ومستشفى “أم درمان” ربما يكون هو الصرح الوحيد في بلادنا الذي تحدى عاديات الزمن، وتخبط السياسات وقفز فوق حاجز العجز والإمكانات، وذلك بفضل عبقرية وتجرد جماعة من الناس اتجهوا لعمل الخير بعيداً عن الأضواء الكاشفة، منهم رجال إدارة ورجال مال وأعمال ورموز وطنية لا يمكن تجاوزها، اجتمعوا قبل عدة سنين، وقيّض الله لي أن أكون قريباً من عملهم هذا، الذي اعتمد على التنادي من أجل المدينة والوطن، وأحمد الله كثيراً جداً وأشكر فضله أن جعلني أتعلم منهم معنى الوفاء والإيثار والتجرد والجود بالمال والعمل والجهد والوقت حتى تم إنقاذ مستشفى “أم درمان” من الزوال والتلاشي، وكلهم بذرت في نفسه بذرة الخير التي أثمرت، فكانت الإنشاءات الضخمة والإنجازات الهائلة التي تجسد المعنى الحقيقي لمساهمة المجتمع في بناء الأمم من خلال المساهمة في إنشاء الصروح العظيمة والكبيرة التي تقدم الخدمات وتعنى بالناس.
نعم.. كان وراء هذا العمل الكبير الذي تم بالأمس، مثلما كان وراء كل عمل كبير تم قبل ذلك، مجلس إدارة عظيم متفهم يقوده صديقنا الأخ الدكتور “أمير عبد الله خليل”، ويضم نخبة طيبة لا نريد ذكر أسمائهم، لأن بعضهم لا يريد أن تتم الإشارة له من قريب أو بعيد، لأنهم أرادوا لعملهم هذا أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى.
خلال أول اجتماع لمجلس أمناء المستشفى صباح  أمس، بعد افتتاح مباني مركز وقسطرة القلب، شارك الأخ الأستاذ “مجدي عبد العزيز” معتمد “أم درمان” فيه، وتحدث حديث ابن المدينة البار مشيداً بما تم من إنجاز، مشيراً إلى أنه يفتح قلبه وعقله لكل مشروع عمل كبير يقترحه مجلس الأمناء – مجلس الإدارة – داعياً في ذات الوقت إلى تكريم عظيم يليق بالرجال الذين وقفوا خلف هذا العمل.
تذكرت أغنية (أنا أم درمان) التي تغنى بها العميد “أحمد المصطفى” وكتب كلماتها شاعرنا العظيم “عبد المنعم عبد الحي” الذي هاجر إلى مصر وعمل بجيشها العظيم وتزوج منها وأنجب البنين والبنات، لكن (أم درمان) كانت في خاطره، فكتب واحدة من أجمل الأغنيات هي أغنية (أنا أم درمان) التي يقول في بعض أبياتها:
أنا أم درمان.. تأمل في ربوعي
أنا السودان تمثل في نجوعي
انا ابن الشمال سكنته قلبي
وعلى ابن الجنوب ضميت ضلوعي
أنا أم درمان سلوا النيلين عني
وعن عزمات فتاي عند التجني
فخير بنيك يا سودان مني

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية