الحاسة السادسة
رشان أوشي
خطوة إلى الأمام
إن كان هنالك خطوة صحيحة يجب أن يلتف المواطنون حولها، هي الاتجاه الرسمي لجمع السلاح من أيدي المدنيين في دارفور، فالجميع يعلم ملء العين والسمع ما نتج عنه انتشار السلاح عشوائياً في أيدي المواطنين والمليشيات، باستثناء الحركات المسلحة التي تعمل وفق برامج معلومة.
إن انفراط العقد خلال سنوات الحرب الماضيات، جذَّر إحساس الخوف لدى المدنيين من هجمات المسلحين، سواءً أكانوا عصابات نهب أو حركات مسلحة، دفعت الجميع إلى امتلاك أدوات لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، وتطوَّر الأمر من السلاح اليدوي الخفيف إلى السلاح الثقيل، ومن ثم انتعشت تجارة السلاح فأصبح إقليم دارفور بولاياته الخمس مسرحاً واسعاً لتجارة السلاح المحرَّم دولياً، وتبعها انتشار كثيف لتجارة المخدِّرات، فأصبحت العصابات تمتلك سلاحاً تعجز عن اقتنائه دول وحكومات، لذلك أضحى الإقليم المنكوب غابة من الذئاب البشرية، حيث لا سطوة للدولة ولا قانون يتساوى أمامه الجميع، فأفرز وضعاً فوضوياً بائساً، وأخذ الصِراع القبلي منحًى مفجعاً، أُزهقت آلاف الأرواح في الخمس سنوات الأخيرة، تحت شعارات الأرض والحاكورة والملكية الخاصة، فأصبحت هيبة الدولة على المحك.
قضية جمع السلاح من المواطنين ليست صعبة، وإنما تحتاج جدية من الحكومة، فقد سبقتنا إليها الجارة تشاد التي عانت من الصراعات المسلحة والحرب القبلية عقوداً من الزمن، وكان حجم السلاح المنتشر في أقاليم تشاد أكبر من إمكانيات الدولة نفسها، وعندما استشعرت حكومة دِبّي حجم الخطر الذي بات يهدد استقرار السلطة الحاكمة نفسها، اتجهت إلى خيار جمع السلاح بالقوة، فخلال أقل من عامين كانت الدولة قد بسطت هيبتها، وفرضت القانون، وزال الخطر المحدِّق بمواطنيها.
وفي ذات الوقت تحتاج الخطوة الحكومية القاضية بجمع السلاح إلى معينات، فعقلية أهل دارفور التي تعتبر السلاح عِزة وجاهاً منذ عقود لن تقبل الاستسلام بسهولة، لذلك لابد من خطوة عملية من أجهزة الإعلام المختلفة، وقيادات الإدارة الأهلية التي يدين لها الكل بالولاء، ومثقفي المركز على إحياء وعي جمعي جديد لدى المواطن الدارفوري، يبصِّره بخطر انتشار السلاح غير المرخَّص في أيدي الناس، عندها ستعود الأمور إلى وضعها الصحيح.