بارقة الأمل
منذ تجدد الحرب في منطقة جبال النوبة والنيل الأزرق ظلت الحركة تتعاطى مع حسن النوايا التي تقدم عليها الحكومة من خلال قرارات وقف إطلاق النار بسلبية شديدة.. وفي بعض الأحيان ترفض الحركة حتى مجرد التعليق على القرارات التي تصدر من الحكومة بالرفض أو حتى التشكيك، لكن هذه المرة فاجأ “عبد العزيز آدم الحلو” الجميع وقرر وقفاً لإطلاق النار لمدة ستة أشهر يبدأ من أول شهر أغسطس الجاري وينتهي في فبراير من العام 2018م، وذلك بعد إعلان الرئيس الشهر الماضي تمديد وقف إطلاق النار حتى أكتوبر القادم.. فلماذا ظل “عبد العزيز الحلو” أو الحركة الشعبية ترفض الاستجابة لدعوات الحكومة بضرورة وقف العدائيات منذ ست سنوات، ولكنها اليوم تتجاوب مع قرار الرئيس الأخير.
السبب المباشر في قرار رئيس الحركة الشعبية هو ما حدث من صراع داخل الحركة بين الجناح السياسي والجناح الحكومي في الحركة الشعبية وبطبيعة الحال حسم العسكريين الصراع لمصلحتهم نظراً لأن قوة الحركة في بندقيتها وليس في أبواقها الإعلامية.. وقد انحاز العسكريين جميعاً إلى صف “عبد العزيز الحلو” الذي قدم نفسه في بادئ الأمر في صورة المتشدد المتطرف المغالي في المطالب، ولكنه بعد طوافه على وحدات الجيش الشعبي واجتماعاته مع المجتمع المدني وزعماء النظام الأهلي في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية أدرك أن السلام هو الرغبة الجامحة لقواعد الحركة من أبناء النوبة بصفة خاصة.
السبب الثاني الذي عجل بقرار “عبد العزيز الحلو” هو الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية من مدينة كادقلي الأسبوع الماضي والذي أصغى إليه المتمردون أكثر من إصغاء المواطنين في الداخل والرسالة العميقة الدلالات التي بعث بها الجنرال د.”عيسى آدم أبكر” في مهرجان السياحة والتسوق الذي ينتظر أن ينهي أسبوعه يوم غدٍ الأربعاء.. ولو لم يحقق المهرجان عائداً مادياً يغزي خزائن الولاية لكافة العائد السياسي الذي حصده الوالي بخطابه الذي تقدم على خطابات بقية المسؤولين، وهو يعلن استعداده للتنازل عن مقعد الوالي لصالح “الحلو” إذا وضع الأخير السلاح وأذعن لرغبات المواطنين هذا الخطاب وضع الحركة أمام خيار وحيد ألا وهو التجاوب معه ولو مؤقتاً وانتظار أن تتحول الأقوال إلى أفعال من هنا.. تبدأ مسؤوليات المجتمع المدني العريض من منظمات طوعية ومؤسسات حكومية.. وقيادات أبناء المنطقة الذين هم أقرب لـ”عبد العزيز الحلو” من المركز والأحزاب السياسية المتحالفة مع الحكومة أو حتى المعارضة والنقابات والشخصيات العامة في تطوير الموقف الراهن واستغلال فترة الهدنة بين الطرفين المتقاتلين لمد جسور التواصل بين المجتمع المدني في مناطق الحكومة والمجتمع المدني في مناطق الحركة الشعبية، وهناك يتعاظم دور الفن والرياضة في كسر جمود التواصل وإحياء الصلات وذلك بتسيير قوافل من مناطق الحكومة لمناطق التمرد.. وتقديم كل ما يحتاجه المواطنون هناك من كساء ودواء وغذاء.. وفي تجاوب السودانيين الكثير من اختراقات الجدر الصماء.. ولن تنسى ذاكرة المهتمين بالشأن الجنوبي قافلة السلام إلى الناصر التي قادها “أحمد الرضي جابر” و”أبو قصيصة” و”موسى سيد أحمد” وفتحت تلك القافلة الباب لاتفاق الخرطوم للسلام 1997م.
واليوم تقع على عاتق المنظمات الطوعية المستقلة والشخصيات القريبة من الحركة وجدانيا ومن الحكومة مصلحياً المبادرة في تسيير قوافل التواصل بين كادقلي وكاودة، وليست إدارة هلال كادقلي تحلت بقدر من الشجاعة وقررت لعب مباراة في كاودة مع منتخب تلك المدينة الجميلة لصالح السلام وإفشاء المحبة بين أبنا الوطن الواحد.