حديث كسلا
ضجت المواقع الإسفيرية الخاوية بحديث منسوب لوالي النيل الأبيض “عبد الحميد موسى كاشا”، قال فيه: (إنه لم يستقل من منصبه لأنه سبق له الاستقالة إلى أن طلعت عينه)، كما جاء في إحدى الصحف وثارت به المواقع وفي صحف أخرى رداً على “مأمون حميدة”، وزير صحة الخرطوم، بما يشير بوجود معركة معلنة بين الرجلين وكل صحيفة تناولت المؤتمر الصحافي من زاوية موقفها، أما من النظام الذي يمثله “كاشا” أو الولاية التي يقودها أو قربه أو بعده الشخصي من الوالي، ونعني المحرر الذي ينقل الخبر ويقدمه مادة مثيرة تعيش عليها المواقع الإسفيرية التي تتنفس من مقالات وأخبار الصحف مما يضع على عاتق الوراقين مهاما كبيرة في إطعام القنوات والإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي ورغم ذلك تصب اللعنات على الصحف كل يوم وساعة وعودة لما جاء على لسان “كاشا” بأنه لن يستقيل لأنه استقال من قبل حتى “عينه طلعت” ثم عين مرة أخرى العبارة بهذه الجسارة تعني أن “كاشا” حينما ابتعد عن السلطة تعب وأصابه الجفاف والتصحر الجيبي، ليعود مرة أخرى لنعيم الحكم وجنة السلطة.
إن كان الأمر كذلك فكاتب هذه السطور ظل قريبا من “كاشا” وهو في منصب الوالي بجنوب دارفور وبشرق دارفور حتى تقدم باستقالته طوعاً واختياراً وكان صادقا مع نفسه وأهله حينما شعر بأن نزاع الرزيقات والمعاليا قد وضعه أمام اختبار صعب، إما أن يؤدي واجبه كوالٍ ويخسر أهله، وإما أن يصبح رزيقياً ويخسر المعاليا ويخون قسم الولاء.
إزاء هذا الموقف استقال “كاشا” وفشلت كل محاولات إثنائه والعدول عن قراره وبعد أن أصبح مواطناً عادياً وهذا هو الموضوع أسس مركز كاشا لفض النزاعات، وأنهالت عليه المبادرات وأموال المنظمات الدولية والإقليمية، وقد أصبح في ذلك الوقت مكتب “كاشا” قبلة للأصدقاء والمعارف والأهل وهو يعطي بسخاء ويسهر في قضاء حوائج الناس ولم يتعرض “كاشا” لضيق معيشة ولا قلة زاد بل كان أفضل حالا من أيامه في الضعين والياً ونيالا ولست على يقين عن حاله اليوم في بحر أبيض.
لكن ضيق الوظيفة العامة وقلة مردودها المادي وضعف عائدها المعنوي في هذا البلد لا يغري باللهث ورائها و”كاشا” الذي نعرفه لا تضيف إليه الولاية الكثير، ثم إن مسألة استقالته جراء تفشي الكوليرا كما تدعيها المعارضة والإسهالات المائية كما تسميها الحكومة، هي قضية تقديرية للمسؤولين، وحينما وجد الرجل من قبل نفسه في موضع لا يستطيع أن يفعل حيال القضية التي أمامه شيئاً استقال جهراً واليوم إذا كانت قضية الإسهالات المائية تتطلب تقديم الاستقالات فإن أغلب الولاة مطالبون بذلك وأولهم كبيرهم “عبد الرحيم محمد حسين”، ونجمهم “أحمد هارون” ووزير الصحة “أبوقردة” فلماذا المطالبة باستقالة “كاشا” وحده الذي واجه قضية طلاب بخت الرضا وهي ليست قضيته وتصدى للمشكل حينما دفن الجميع دقونهم في الخرطوم، وتوارى أغلب المسؤولين خلف هراوات الشرطة تاركين للبوليس معالجة قضية أمنية كما يشيعون، لكن “كاشا” كان مقداما في معالجة قضية الطلاب إلا أن التحريض والتربص واستخدام الطلاب كورقة معارضة أجهض مساعيه، فلماذا تطالبون “كاشا” بالاستقالة وحده؟ وهو المسؤول عن توفير مياه الشرب النقية إلى مواطني المقينص والتجليس لطلاب الكوة وتخطيط أراضي الجزيرة أبا، وليس التصدي لمرض الإسهالات العابر للحدود من الجنوب، والذي تسميه المعارضة الكوليرا ولو كان الأمر كذلك لقرض أهل السودان وعدمهم (نفاخ النار)
تبقى قضية استقالة المسؤولين هي الفريضة الغائبة في بلادي لكنها لن تصبح جلابية مقاس “كاشا” وحده.