رأي

بعد ومسافة

شياطين في بيوت الأدب!
مصطفى أبو العزائم
 
من غرائب الأخبار وعجائبها ما قال به صديقنا الأستاذ “بحر إدريس أبو قردة” وزير الصحة الاتحادي قبل أيام في برنامج (حوار مفتوح) بقناة النيل الأزرق التي أثبتت أنها ما زالت قناة شابة ومواكبة يتابعها الشباب ومن هم دونهم أو فوقهم في السن.. فقد جاء على لسان السيد الوزير أن بعض أهل القرى يرفضون إنشاء (المراحيض) داخل المنازل بزعم أنها تجلب الشيطان، ويفضلون قضاء حاجتهم في العراء، وهو ما يساعد في انتشار بعض الأمراض، وكان يقصد تحديداً الإسهال المائي.
قطعاً هذا الأمر يحتاج إلى مجهودات جبارة حتى تتغير المفاهيم ويتم إلغاء ثقافة قديمة ومحوها لتحل محلها ثقافة جديدة، وذلك من خلال حملات توعية متواصلة من على منابر المساجد وداخل فصول المدارس، حملة تشارك فيها كل أجهزة الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وهذا الأخير أصبح أكثر تأثيراً، لكن المشكلة تكمن في تعدد المنافذ والقنوات والفضائيات، لذلك لا بد من وضع خطة محكمة لتحقيق ذلك الهدف.
إلى وقت قريب كانت بعض الأحياء المخصصة لفئات أو شرائح محددة تشهد قيام المراحيض في وسط تلك الأحياء، مثل (القشلاقات) الخاصة بالقوات المسلحة، و(القشلاق) كما نعلم جميعاً هي كلمة تركية تعني (مسكن العسكر) وأخذنا ننطقها بـ(الألف) بدلاً عن (القاف) لنقول (إشلاق)، وقد أخذناها عن إخواننا المصريين الذين كانوا جنوداً في جيش “كتشنر”، ضمن ما أخذناه من كلمات تركية كثيرة ومنها (الأدب خانة) التي نقولها مدمجة (أدبخانة).
أسماء المرحاض عندنا تتعدد، فالبعض كان يقول (كنيف) وهذه اللفظة تكاد أن تكون قد زالت تماماً من الاستخدام إلا لدى قلة قليلة، وهي كلمة عربية فصيحة تعني (الساتر) وجمعها (كُنُف) كما تعني الترس والحظيرة، والظلة فوق باب المنزل، وتعني مكان النظافة، والبعض يطلق على المرحاض (بيت الأدب) وهو الاسم الذي كان أكثر شيوعاً قبل التشبه بالفرنجة الذين يطلقون على (الكُنُف) اسم دورات المياه، وهم عندما يسمونها كذلك فلأن مراحيضهم مرتبطة بمجاري الصرف الصحي، وبعض ما جاء إلينا تطوير المراحيض كان حفر آبار السايفون المتصلة بالمياه الجارية تحت سطح الأرض فأصبح بعضنا يطلق على المرحاض اسم “دورة المياه” وهو محق.
 الأجيال الجديدة أصبحت لا تستخدم تلك المفردات مثل (الكنيف) أو (بيت الأدب) أو (الأدبخانة)، أو الـ(W.C) وتعني أيضاً دورة المياه، فأكثر أبناء الأجيال الجديدة تطلق على المرحاض اسم (حمام) حتى وإن لم يكن هناك رابط عضوي وحقيقي بين المرحاض ومكان الاستحمام، لأن ذلك يتوفر في ما نسميه بالحمامات الإفرنجية.
صديقنا الوزير “بحر أبو قردة” فتح باباً ظل مغلقاً لسنوات لم يجرؤ أحد على طرقه لأنه حساس ويرتبط لدى البعض بمعتقدات راسخة في العقول ومتوارثة، إذ إن هناك قناعات ثابتة بأن الجن والشياطين يوجدون عادة في (الخلاء) أو مناطق قضاء الحاجة، أو المراحيض– سمها ما شئت– ويوجدون عادة في البيوت والغرف المهجورة أو تلك التي تنبعث  منها روائح نتنة وكريهة، أو تلك التي ترتكب فيها المعاصي أو تعلق فيها الصور والتماثيل، وفي زوايا الغرف.
هناك أحكام شرعية حول بناء وأماكن المراحيض، إذ يروى عن النبي الكريم سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” أنه قال: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا وغربوا)، وكل الأحاديث الصحيحة تنهي عن ذلك، لكن يستدل بأحاديث أخرى أنه لا بأس من استقبال القبلة واستدبارها إذا كان هناك بناء– حائط– أي أن المرحاض هو مبنى منفصل داخل المنزل.. ويستحب دائماً أن يكون المرحاض بعيداً عن بقية غرف المنزل قريباً من المدخل.. وهذا كان شائعاً إلى وقت قريب في منازلنا قبل أن تزحف (الحمامات) الإفرنجية وتحل محل القديمة ذات الأسماء الكثيرة.
اللهم عافنا وأعف عنا وارحمنا واغفر لنا وتوفنا مسلمين، واحفظنا واحفظ أولادنا وأهلنا وأموالنا، وبارك لنا في الصحة والعافية وفي كل ما رزقتنا إنك سميع مجيب.. أمين.
.. و.. جمعة مباركة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية