اتكاءة على جرح (2)
{ لن أصدر حكماً مسبقاً لصالح أو ضد كتاب “الإسلاميون أزمة الرؤيا والقيادة” لكاتبه عبد الغني أحمد إدريس؛ لأن كثيراً من الكتاب يصطفون في (طوابير) القضاة يرتدون عباءتهم ويمشون بين الناس حكاماً وقضاة يدعون لأنفسهم الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرؤيا وعمق البصيرة ونفاذها. وقبل القراءة المتأنية للكتاب لا قراءة أجزاء مبتسرة كما ظهر في المواقع الالكترونية وإشارات (النقاد) كما في رؤية د. فضل الله أحمد عبد الله التي طغى عليها تخصصه المسرحي، فإن الكتاب بنظرة لظروف وملابسات صدوره وأثر المكان على الأطروحة الرئيسية فيه تبقى إشارات مهمة قبل الولوج للفكرة المركزية التي سعى إليها الكتاب وهي الإصلاح والتغيير، ويضع الكاتب (عبد الغني) أصبعه على جمر يصعب على آخرين ملامسته ويعتبره أس الأزمة وعُقدة النص المعروض الآن.. ونعني بذلك قيادة الحركة الإسلامية، ولكن هل القيادة المعنية هي النخبة الحاكمة القابضة على مفاصل الدولة والحزب والحركة الإسلامية أم تجريد القيادة من المستشارين والوزراء النافذين وحصرها في الرئيس ونائبه الأول فقط؟!!
{ وهل حركة ثقافية وفكرية ذات مشروع (قيمي) حكمت بلداً مثل السودان لمدة 23 عاماً تعرضت خلالها لابتلاءات حروبٍ ذات طبيعة (إثنية) في عباءة علمانية وضمورٍ في الموارد الاقتصادية وانقسامٍ في الصف الإسلامي وتشظٍّ للوطن جغرافياً إلى (وطنيين) وقيام دولتين يمكن أن يُكتب لها النجاح أو الإخفاق والفشل (بأمر) رجل واحد مهما بلغ من العبقرية أو جمع تحت يديه السلطة والنفوذ ؟؟ أم أن الإخفاق والأزمة مسؤولية تنظيم بأجمعه؟ وقد توغل الكاتب عبد الغني في مناطق مياه دافئة وأخرى(تغلي) من شدة الحرارة وأصدر أحكاماً ضد رموز في الدولة ولصالح آخرين وكأن عبد الغني إدريس يقدم شهادات واعترافات من داخل عرين الأسد بوجود تيارات داخل السلطة والحزب والحركة الإسلامية تخوض حرباً سرية وضرباً تحت الأحزمة، ونيران تشتعل تحت رماد تغطيه السلطة بظلها ولا تتركه لرياح الصيف والشتاء لتشعل جمره.
واتخذ عبد الغني إدريس من قضية القيادة العليا محوراً لرؤيته النقدية وثيقة الشبه بتجربة الأفندي النقدية، وإذا كانت تجربة الأفندي قد كتبت له شهادة اعتماد كمحلل ومختص في الشؤون الإسلامية بالمملكة المتحدة وبعض البلدان الأوربية، وأضحى الأفندي شاهد إثبات يقدم كل يوم شهادته في غير صالح التجربة الإسلامية في السودان، فإلى أين تتجه تجربة عبد الغني إدريس الجديدة والشاب واسع الاطلاع عميق الفكرة خرج من صفوف الحركة الإسلامية وهو قريب من د.غازي صلاح الدين وغير بعيد عن صلاح قوش وعلى صلة بعلي عثمان محمد طه في جعبته أسرار ومعلومات ولكنه آثر البوح بالأفكار الأساسية في كتابه الذي يحمل الرئيس البشير وحده ما يعتقد أنه خطأ، ويسعى للتبرير لآخرين من القيادات كما ورد في متون وحواشي الكتاب الذي سواءً اختلف حوله القراء أو اتفقوا يمثل إضافة وجهداً يستحق عليه الثناء والتقدير.