مسامرات
مساجلات
محمد إبراهيم الحاج
{ نبهنا قبل أيام في حديثنا عن حملة النظافة التي أعلنت عنها محلية الخرطوم وناءت بحمل صورها (الهواتف المحمولة) وهي تظهر فتيات مغربيات ينخرطن في نظافة شوارع الخرطوم الكبيرة (التي أصلاً نظيفة)، وقلنا إننا لا نريدها أن تكون مجرد (حماسة وقتية) أو (محاولة مستميتة للشو).. وللأسف حدث ما نبهنا وحذرنا منه، فلا زالت الأسواق الكبيرة والمستشفيات الحكومية والشوارع العامة، ومداخل المحال ومواقف (كركر) و(جاكسون) تغرق في الأوساخ والبيئة المتردية.
{ ما زال المسؤولون يتعاملون مع الفن كنوع من (الترف).. وهو ما ظل يجهر ويشكو منه كل المبدعين.. ولا يزال المبدعون يعانون في توفير بيئة ملائمة لإنتاجهم..لأن القائمين على أمر الفنون أنفسهم ما يزالون غير مدركين قيمة الفن الكبيرة وقدرته على إحداث التأثير الإيجابي في كل فئات المجتمع (خاصة الشباب).. لكي يتبنى القائمون على الأمر هذه القضية يجب أن يؤمنوا بها أولاً.. لذا يجب تغيير عقليتهم.. أو تغيير أسمائهم والإتيان بمسوؤلين شباب قادرين على هضم فكرة أن (الفن) إحدى أدوات التغيير المهمة جداً في حركة أي مجتمع.
{ أعتقد أن توقف “أبو عركي”، وندرة حفلات “محمد الأمين”، ورحيل (الحوت) و”وردي”، وتقهقر (عقد الجلاد) قد فتح الباب أمام كثير من الأصوات التي لا تستحق (الغناء) في (بيوت الأعراس) ناهيك عن إحياء حفل جماهيري كامل، وهي لا تحمل موهبة ولا فكرة عن الغناء.. وهذا التراجع المخيف للأصوات المثقفة والقادرة على ملامسة قضايا الناس وهمومهم، وتأثيرهم الإيجابي ربما كان أثره سلبياً تجاه كثير من السلوكيات التي اتصف بها أبناء هذا الجيل.. فهؤلاء الشباب يتأثرون بسرعة بالمطربين الشباب وما يحرضون عليه من (قيم) لا تتواءم مع قيمة الفن النبيلة، وتحتوي على إشارات وكلمات صريحة قد يصدم بعضها المجتمع ويغرز فيه نصل صدئ فيما ورثه من نبل وكرامة.. فالأغاني التي تحرض صراحة على (أذية المحبوب) و(المصالح الوقتية) و(الكره) و(العنف اللفظي) جعلت كثيراً من أطياف المجتمع الحية تنحدر بسهولة إلى تطبيقها في واقعها.
{ ما يزال جمهور الراحل “محمود عبد العزيز” يرفض أي مقارنة بينه وأي فنان في الساحة الفنية.. ما يزال جمهوره يجزم أن الساحة تحتاج لمئات السنين حتى تنجب أحداً بصفاته.. علاقة (الحوت) مع جمهوره لم تكن علاقة مطرب بمعجبين، بل كانت علاقة صديق لصديق، لم يشعرهم بأنه يختلف عنهم في شيء.. وربما هذا هو السبب الذي جعل منه أيقونة شبابية عصية على التكرار.. سر (عظمة) “محمود” تكمن في (بساطته).
} مسامرة أخيرة
{ من أبلغ الأبيات التي كتبها “حميد”:
البيصون حبانو
بيتعلم يصون أوطانو
والخائن بيخون دون اختشاء
{ هذا البيت وغيره من الأبيات التي تغوص في تفسير طبيعة السلوك الإنساني جعلت كثيرين يجزمون أن الراحل “حميد” لم يكن مجرد شاعر ينظم الكلمات فحسب، ولكنه قارئ جيد للأحداث وفيلسوف له إمكانية الغوص في النفس البشرية ودراسة مكوناتها، كما أنه كان يتنبأ بكثير من الأحداث قبل وقوعها بسبب بعد نظرته تجاه كثير من الأمور.