الحوار المدهش حول انقلاب "هاشم العطا" في 19 يوليو 1- 4
الخرطوم- صلاح الباشا
بعد مرور 46 عاماً على انقلاب 19 يوليو 1971م، وجدت بالصدفة البحتة وأنا أبحث في مواقع الانترنت المختلفة، كدأبي دائماً في البحث عن أهم الأحداث التي مرت على بلادنا سواء أكان ذلك في السياسة أو الفن أو المجتمع أو حتى في الرياضة، فضلاً عن الرغبة التي ظلت تلازمني دوماً خلال مسيرة حياتي الصحفية أو البحثية أن أعمل على تغذية عقلي وروحي بأي أحداث أو معلومات أرى أنها تكسبني المزيد من المعرفة من خلال إطلاعي على كل ما هو جاذب في الكتب أو المنشورات المطبوعة حتى ظهور ثقافة الانترنت، حيث ظلت الشبكة العنكبوتية هي التي ترفدنا بما نرغب. وجال بخاطري تاريخ 19 يوليو 1971م وهو اليوم الذي جاء فيه أكبر تغيير في مسيرة التاريخ السياسي السوداني، وقد كنا وقتها في عامنا الدراسي الثاني بالمرحلة الجامعية وقد عاصرنا ذلك الحدث بذاكرة قوية جداً، فهو اليوم الذي غادر بسببه العديد من أهل السودان النجباء من العسكريين والمفكرين المدنيين هذه الدنيا سواء من طرف سلطة مايو أو من الضباط الأحرار الذين نفذوا الانقلاب، كما غادر الدنيا آخرون وبلا ذنب جنوه حسب ما وجدناه خلال بحثنا ويمكن وصفه بالحوار الضجة.
وجدت بالصدفة، مفاجأة أذهلتني، هي أنه لا الحزب الشيوعي السوداني ولا المرحوم
“عبد الخالق محجوب” ولا المناضل “الشفيع أحمد الشيخ” ولا الأستاذ “جوزيف قرنق” المحامي كان لهم دور في الحدث، بل لم يراودهم أدنى تفكير في تنفيذ انقلاب ضد حكم الرئيس “جعفر نميري” ورفاقه برغم اختلافهم معه منذ العام الأول.
ودليلي على ذلك هو أنني ومن خلال بحثي، تحصلت على حوار طويل منشور على الانترنت منذ العام 2008م ولم يأخذ حظه من الانتباه التام، كان مع الشخصية الأولى التي قامت باعتقال الرئيس “جعفر نميري” من منزله بالقيادة العامة بعد ظهر يوم (الاثنين) الموافق 19 يوليو 1971م حسب ما أوكل له من مهام، ألا وهو الملازم وقتها “مدني علي مدني” عضو تنظيم الضباط الأحرار في ذلك الزمان. وقد فشل الانقلاب بعد ظهر الخميس الموافق 22 يوليو 1971م، أي أنه نجح ظهراً وفشل ظهراً خلال ثلاثة أيام فقط.
الحوار وحسب تقييمي الشخصي وجدت أنه يستحق القراءة عدة مرات لأن الرجل “مدني علي مدني” هو شاهد عصر على الحدث ومنفذ له، بل ويتضح من شهادته أن أحداث قتل الضابط المعتقلين ببيت الضيافة وقتذاك وهم من مجموعة “جعفر نميري” (مايويين) لا علاقة لهم أصلاً بالانقلابيين في ذلك الزمان، لذلك اختفى التحقيق منذ زمان باكر حول ملف بيت الضيافة ولم ينشر بعد، حيث كان هنالك استعجال واضح في إعدام أولئك الضباط المنفذين لحركة 19 يوليو 1971م.
لذلك فإنني هنا أعيد نشره، وللبعض الحق في التعليق إن كانت لديهم معلومات تدحض أو تشكك في مدى صحة ما ورد في حديث السيد “مدني علي مدني”، الذي نعدّه في هذا الحوار قد قدم خدمة لا تعوض بثمن للقارئ السوداني المتابع لتاريخ بلاده بغض النظر عن المكون الفكري لهذا القارئ أو ذاك، فضلاً عن فائدته للشيوعيين السودانيين أنفسهم.
ولكي تعم الفائدة كل المهتمين بالتوثيق أو الإلمام بالتاريخ الحديث للسودان، أو بالشأن السياسي السوداني، خاصة الأجيال الجديدة التي لم تتابع تاريخ بلادها جيداً، نعيد نشر الحوار (اللقطة) لأهميته التاريخية من جانب، ولأنه مع المنفذ الأول لتلك الحركة التي كثر الحديث حولها وبلا معلومات شافية.. فإلى ما قال الملازم “مدني علي مدني”..
كثر الحديث حول حركة 19 يوليو 1971 العسكرية التي اشتهرت بحركة الرائد “هاشم العطا” وأدلى حولها “كل من هبّ ودبّ” بدلوه زوراً وبهتاناً وقليل هم من تحدثوا عنها بشيء من الموضوعية ولا أقول كلها.
أولاً، أود هنا أن أنفي نفياً قاطعاً أي دور، رئيس أو مباشر، للحزب الشيوعي السوداني- كحزب- في التحضير أو التخطيط أو التنفيذ لهذه الحركة، لقد قال الشيوعيون إن حركة 19 يوليو لا شرف ندعيه ولا تهمة ننكرها. وهم في هذا– أيم الله- لصادقون.
كنا قبل التحرك– أو على الأقل البعض منا– ضد إذاعة الرائد “هاشم” للبيان الأول. ولأننا كنا نؤمن بأن الشارع، لا محالة، سيمتلئ باللافتات الحمراء. لأن شيوعية “هاشم” وانتماءه لا يخفى على أحد.. وهذا ما حدث. في حين أننا كنا في أمس الحاجة لدعم الشارع السوداني كله بمختلف تنظيماته واتجاهاته وميوله السياسية على الرغم من أننا طرحنا وبشكل واضح بإيمان لا يتطرق له الشك، شعار “سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية” وهي ماعون واسع يسع الجميع.
ثانياً، الضابط الذي أوكل إليه مهمة إطلاق سراح الدكتور “مصطفى خوجلي”– فقط- لأننا اخترناه ليكون رئيساً للوزراء، قام، وبتصرف فردي من عنده، بإطلاق سراح الشيوعيين دون غيرهم من بقية المعتقلين من الأحزاب الأخرى الأمر الذي زاد من نقمة الشارع علينا.ثالثاً، أخطاء عسكرية قاتلة قام بها بعض الضباط، وبصفة فردية أيضاً، عجلت بسقوط الحركة وسهلت القضاء عليها ومهدت لمن كانوا يتربصون بالحزب الشيوعي الدوائر، لينحروه في رابعة النهار.
رابعاً، تأملوا معي هذه الأسماء، وفيكم من يمت لهم بصلة القرابة، أو ساكنهم في الحي، أو زاملهم في الدراسة أو العمل.. هل هم شيوعيون؟؟ المقدم “أحمد حريكة”، المقدم “صلاح الدين فرج”، المقدم “حسين بيومي”، المقدم “يحيى عمر قرينات”، الرائد “مبارك فريجون”، الرائد “إبراهيم سيد أحمد”، الرائد “شرف الدين إسماعيل”، النقيب “محمد المصطفى” الشهير بـ(الجوكر)، النقيب “محيي الدين ساتي”، النقيب “عبد الرحمن مصطفى خليل”، النقيب “عباس عبد الرحيم الأحمدي”، النقيب “صلاح السماني الكردي”، النقيب “محمد أحمد محجوب” (ود المحجوب)، الملازم “مأمون عبد المجيد علي طه”، الملازم “عبد الرحمن حامد”، الملازم “الشيخ مصطفى”، الملازم “مأمون أحمد الصديق دار الصليح” والملازم عثمان “حسن يوسف”.. كل هؤلاء حوكموا بالتجريد من الرتبة، والطرد من القوات المسلحة والسجن لمدد مختلفة. فلأي سبب يضحي هؤلاء من أجل حزب لا ينتمون إليه أصلاً ولا يأتمرون بأمره؟؟
إن دوافع وطنية بحتة دفعت كل هؤلاء ليساهم كل منهم بقدر ما استطاع في الخروج بالبلاد من المأزق الذي أرادت أن تدخلها فيه مايو. وهنا، لا أذيع سراً إن قلت إن بعض الضباط الشيوعيين الملتزمين قد فروا قبيل ساعة الصفر، الأمر الذي اضطرنا أن نستعين ببعض زملائنا ولعلاقات الصداقة والزمالة الشخصية فقط لا غير.. ولم نذكر اسم أي واحد لم تستطع السلطات القبض عليه حينها حتى وصل بعضهم إلى رتبة اللواء.. وذلك عملاً بوصية الفارس الشهم الشهيد المقدم “عثمان حاج حسين” (أب شيبة): (الجوة جوة.. والبرة برة.. أنا والهاموش وهاشم العطا سنتحمل المسؤولية كلها)!
- نواصل-