هل يرجح التطور في ملف التعاون الأمني مع واشنطن في رفع العقوبات الاقتصادية؟
خبراء عسكريون يُشرِّحون الملف ويبدون تفاؤلاً حذراً
الخرطوم ــ محمد جمال قندول
قد يطول الانتظار اليوم ولا تدور عقارب الساعة بسرعة، وحقاً لنا أن نوصفه بأنه سيكون الأطول على الإطلاق خلال السنوات الأخيرة.. كيف لا والعالم يترقب قرار الولايات المتحدة الأمريكية برفع العقوبات نهائياً على البلاد بعد أن أصدرت إدارة “أوباما” قراراً في يناير الماضي برفع العقوبات وإدراج البلاد تحت بند مراقبة ستنتهي مهلتها اليوم (الأربعاء).
ومن المتوقع أن يكون حدث اليوم استثنائياً ويجد اهتماماً إعلامياً غير مسبوق، خاصة وأن القرارات سيكون لها انعكاسات على حسب موجهاتها ويترقب الشارع السوداني القرار بحذر وتفاؤل في ذات الوقت القرار الذي سيكون نتاج جهد كبير مؤسسات دولية على رأسها رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والدفاع وجهاز الأمن والمخابرات ووزارة المالية.
(المجهر) عبر التقرير التالي تستعرض الدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية المختلفة في الوصول إلى هذه النتائج الإيجابية بعيداً عن أعين الإعلام، فرغم أن العقوبات التي فرضت على السودان كانت اقتصادية، إلا أن المدخل الرئيس في قرار الرفع الجزئي للعقوبات كان الملف الأمني، حيث لم يكن التعاون الأمني بين ليلة وضحاها فقد بدأت منذ وقت مبكر، وكانت البدايات في عهد مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق أول “صلاح عبد الله قوش”، مروراً بلقاء مدير جهاز الأمن الحالي بـ(السي اي ايه) خلال زيارته الأخيرة.
القوات المسلحة السودانية أيضاً لعبت دوراً مقدراً في الوصول إلى هذا المنحى الإيجابي بالعلاقات الجيدة بين الخرطوم وواشنطن، وأمَّنت القوات المسلحة الحدود وساهمت بشكل كبير باستقرار البلاد والحد من الظواهر السالبة على الحدود بجانب تعاونها المقدر في العديد من الملفات.
(1)
وكان لافتاً تمثيل وزارة الدفاع في ملف التفاوض التي ترأسه وزارة الخارجية وكان أبرزهم وزير الدفاع الفريق أول ركن “عوض محمد أحمد بن عوف” ورئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن مهندس “عماد الدين مصطفى عدوي”، ومدير الاستخبارات القوات المسلحة، وانعقدت العديد من المقابلات على مستوى البلدين وأن كانت أغلبها ذات طابع سري، فيما بدأ واضحاً بأن التعاون كان له إيجابيات على مستوى الإقليم بالحد من ظاهرة ظلت تؤرق الغرب كثيراً متمثلة بالهجرة غير الشرعية الأمر الذي حدت منه الأجهزة الأمنية بين البلدين بكافة المستويات بتبادل المعلومات الأمر الذي أفضى إلى الإيقاع بعدد كبير من المجرمين وشبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والإرهاب وآخرها اعتقال (12) شخصاً قبل أيام قليلة.
(2)
الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة “الشامي” قال لــ(المجهر)، إن رفع العقوبات يمهد الطريق أمام العلاقات الأمريكية السودانية في المجالات العسكرية والأمنية إلى سابق عهدها وتمثل خطوة للأمام، خاصة وأن عدداً من الضباط بالسابق كانوا يتلقون دورات تدريبية عالية في شتى المجالات بأمريكا
مكافحة الإرهاب والاتجار البشر وحتى على مستوى تبادل المجرمين منذ فترة، وتوقع “الشامي” بحسب المتابعة والقراءات بأنه هناك تفاؤل وذلك بإيفاء البلاد كل المتطلبات المطلوبة منه، مشيراً إلى أن رفع العقوبات حسب التقديرات الأمريكية، ولكن بحسب وجهة نظري بأنه لا سبب منطقي بعدم رفعها استناداً إلى المجريات على أرض الواقع وما تم إنجاز بالمحاور التي تم الاتفاق حولها بين الخرطوم وواشنطن والتقارير الدولية التي تشير في كثير من الأحيان إلى الخطوات الإيجابية على كافة الأصعدة وزاد قائلاً: ما أوفى به السودان تجاوز (90%).
من جهته قال رئيس لجنة الأمن والدفاع السابق الفريق “أحمد التهامي” لــ(المجهر)، إن أهم دور كان التعاون بين الأجهزة الأمنية على مستوى البلدين بتبادل المعلومات والاتجار بالبشر، فيما يختص بـ (السي اي أي) والأجهزة الأمنية الأخرى على مستوى الدول الغربية والأوربية، وكان هنالك شفافية واضحة جداً بالمعلومات الخاصة عن الاتجار، وأشار “التهامي” إلى أن البلاد استوفت كل الشروط المطروحة من قبل أمريكا ولم يعد هنالك أي مساحة لتراجع واشنطن عن رفع العقوبات، مشيراً إلى أن الخرطوم لعبت دوراً مقدراً على المستوى الإقليمي والدولي.
(3)
وبرز التقدم الكبير على المستوى الأمني حينما سجل مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق “محمد عطا فضل المولى” زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مارس، والتقى خلالها نظيره الأمريكي مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) “مايكل بومبيو” بدعوة رسمية من الأخير، وناقشت تلك الزيارة التي احتفت بها صحف البلدين العديد من المواضيع المهمة أبرزها المهددات الأمنية المتمثلة في الإرهاب الذي ظل هاجس الولايات المتحدة الأمريكية بالألفية الجديدة إلى جانب الأوضاع السياسية والإنسانية بالمنطقة بجانب عقد مقابلات مع قيادة مكتب التحقيقات الفيدرالية والأمن الوطني.
وكان “عطا” قد كشف دور الجهاز بمؤتمر صحفي جامع ومشترك للجنة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب قرار إدارة “أوباما” برفع العقوبات، وأشار إلى أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) المنتهية ولايته (جون برينان) مرتين الأولى كانت في 2015م، وأبرز وأماط اللثام عن وجود تنسيق وتعاون كبير على مستوى الجهازين منذ العام 2000.
وبحسب خبراء سياسيين فإن النظير الأمريكي الـ(سي اي اي)، ظل يتعامل بموضوعية شديدة في الملفات المعنية بالأمن، عكس الأجسام السياسية الأخرى بواشنطن، التي تتعامل بحقائق ومعلومات محققة، وبالتالي كانت نظرتهم للسودان وأجهزته الأمنية إيجابية، بأن الخرطوم تحارب الإرهاب، ودولة مستقرة على عكس الصورة الشائعة التي كانت تخرج من لوبيات غرضها تشويه صورة وسمعة البلاد.
واعتبر المراقبون بأن زيارة “عطا” إلى بلاد العم سام قبل (3) أشهر، ستكون مفيدة من زاوية توسيع منظار الرؤيا لبعض الدوائر الأمريكية للسودان ويجعلها واقعية بالتعامل معها حتمياً، بالإضافة إلى أنها تعكس بأن هنالك تواصلاً على مستوى رئاسة الجهاز السوداني بدوائر الكونغرس والأمن، المهمة في صنع القرار بأمريكا، ويضيف بأن مؤشرات الفعل الإيجابي لهذه الزيارة ستظهر حتماً بعد يوليو، والأرجح أن يرفع العقوبات نهائياً عن البلاد.