الخبير والمحلل الاقتصادي د. "عبدالله الرمادي" في حوار الساعة مع (المجهر)
أتوقع رفع الحظر عن السودان نهائياً وعلينا تهيئة البني التحتية
هذه أهم المؤشرات التي تجعلني أكثر ثقة بأن واشنطن لن تتراجع عن رفع الحظر
مصارفنا ضعيفة وينبغي تجميعها في ثلاثة مصارف لتلبية متطلبات المرحلة القادمة
يترقب السودان بعد غدٍ (الأربعاء) قرار الولايات المتحدة الأمريكية رفع الحظر الاقتصادي المفروض على البلاد منذ عام 1997م، نهائياً، وكانت قد قررت إدارة الرئيس السابق “أوباما” رفع الحظر جزئياً في يناير الماضي، وقطعت اشتراطات خلال الستة أشهر الماضية، توطئة لرفع الحظر بصورة نهائية، وفي هذه المساحة التقينا بالخبير الاقتصادي مستشار التمويل والمصارف والأستاذ بجامعة الخرطوم الدكتور “عبد الله الرمادي” الذي قرأ في مآلات القرار المرتقب من الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بشأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان. “الرمادي” استند في تحليله وتوقعاته على الحراك الاقتصادي للشركات الأمريكية والعالمية التي زارت السودان أو أجرت اتصالات للاستفسار عن مناخ الاستثمار وغيرها. فإلى مضابط الحوار.
حوار – سيف جامع
*بداية ما القرار الذي تتوقعه من الولايات المتحدة الأمريكية بعد غدٍ (الأربعاء) بشأن العقوبات؟.
طبعاً الحظر رفع منذ أن وقع عليه جزئياً الرئيس السابق “باراك أوباما”، والذي حدث يمكن من التعامل مع العالم حتى وأن لم يصدر قرار إيجابي بعد غدٍ (الأربعاء) من الرئيس “ترمب”، والآن فتحت الأبواب للسودان منذ رفع الحظر الجزئي، لكنه للأسف لم يخرج للعالم، ما حدث أننا بطيئين في الحركة وفي اتخاذ القرار وإمكانياتنا ضعيفة وليس لدينا ما نخرج به أو ننطلق له بسبب ضعف الإنتاج والإنتاجية وضعف الصادر، حيث لم يتجاوز (4) مليار جنيه، بخلاف الصادرات المعدنية، وكأن الاقتصاد يمشي بخطى بطيئة جداً ولن نستطيع أن نصحو من الدوخة التي تعرضنا لها، وفي الستة أشهر الماضية، الجانب السوداني غير مقنع، لكن مازالت الفرصة أمامنا لمحو آثار عقدين من الزمان ومحوها خلال الستة أشهر، من الصعوبة بمكان، حيث أننا نجد أن (80%) من القطاع الصناعي متعطل لعدم التمويل، وأيضاً مصارفنا ضعيفة وغير قادرة على توفير التمويل، نعم لدينا أكثر من (30) مصرفاً، ينبغي أن تجمع في ثلاثة مصارف لتلبية متطلبات المرحلة القادمة ولتتماشى مع المصارف العالمية ولاستقبال رؤوس الأموال العالمية والشركات الكبرى.
*لكن على أرض الواقع لا توجد مؤشرات؟.
في نظري الرفع الذي تم قبل ستة أشهر، رغم أنه جزئي إلا أنه مهم وفتح الباب أمام انسياب السلع حتى الأمريكية منها، حيث وصلت قبل أسابيع باخرة قمح أمريكي وفتح المجال أمام المصارف العالمية للتعامل مع السودانية، وكذلك بدأت التجارة تنساب في الفترة الماضية، بل أن شركات أمريكية عدة بدأت تتعامل مع السودان، وهنالك شركات أمريكية طلبت الاستثمار مع السودان وتبعتها في ذلك شركات ومستثمرين من أروبا والعالم العربي، وكان مؤشر إيجابي في تقديري، ولم يكن لدى هذه الشركات قناعة بأن الحظر سيرفع نهائياً لما أقدمت على إرسال مندوبيها.
*على ماذا تراهن في توقعك؟.
أولاً، ينبغي التنبيه لأهمية دور السودان في المنطقة، وأن رفع الحظر لم يأت اعتباطاً، بل أن الشركات الأمريكية أدركت أن السودان له دور محوري ويمكن أن يلعب دوراً محورياً في الشرق الأوسط ومنطقة القرن الأفريقي، وأن انهيار النظام في السودان سيؤثر على منطقة القرن الأفريقي عامة، وإدراكاً لهذه الأهمية والوضع تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن قناعتها، وأنه لم تكن هنالك رجعة، خاصة أن شركات أمريكية ضغطت على الإدارة الأمريكية بعد أن أغلقت الحكومة السودانية الأبواب أمامها وفتحتها أمام الصين، هذه من ضمن الأسباب التي جعلت أمريكا تتراجع وهي تعتبر السودان بوابة لأفريقيا والتمسوا هذه الحقيقة بعد دخول الشركات الصينية وحصولها على امتيازات استطاعت أن تتغلغل بصددها في أفريقيا وتبعتها دول الاتحاد السوفيتي، وبالتالي حرمان أمريكا من الكيكة الأفريقية.
*ما هي المؤشرات التي أسست عليها توقعك؟.
عدة مؤشرات تجعلني أكثر ثقة بأن واشنطن لن تتراجع عن قرار رفع الحظر، كما أنه كانت هنالك إشارات بأن انتقلت الشركات الأمريكية إلى التعامل مع السودان في قطاع الزراعة باعتبار أن الزراعة عمل إنساني ودخلت في مجال الطاقة المستخدمة في القطاع، وكذلك تقنية الري المحوري لجهة أن السودان يعوِّل عليه في المساهمة في توفير الغذاء في العالم، لذا كانت هنالك استثناءات أمريكية للقطاع الزراعي، والآن بكل هذه الأسباب دخلت شركات أمريكية كثيرة ومتعددة، وأن لم تكن واثقة بأنه لا تراجع عن رفع الحظر لما أقدمت على الخطوة، بالمقابل ارتفعت بعض الأصوات بالكونغرس الأمريكي حصلوا على تفويض (52) عضواً، من أعضاء الكونغرس وقدموا مذكرة تطالب إدارة “ترمب” بإرجاء رفع الحظر، وفي تقديري هذا لا يمثل إشكالاً، لكن تبقى الجانب السياسي المتمثل بالسعي إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتأكيد هم يدركون أن السودان لا يدعم الإرهاب وهذه قاعدة في السياسة الأمريكية بأن تقوم مجموعة ضغط مناوئة للقرارات حرصاً منهم على أن يظل السودان في هذا التهديد، لكن هذه المجموعات لن تصل إلى مرحلة منع قرار رفع الحظر، لأنه أصبح حقيقة ماثلة من خلال بداية العلاقات مع البنوك والشركات الأمريكية، وفي رأيي أن واشنطن في حاجة للسودان، لأنه من الدول الأولى التي تحظى بإمكانات وموارد في الزراعة والنفط والمياه، وهذا بالطبع لا يجتمع في دولة واحدة مع توفر الأيدي العاملة والخبرات.
*في رأيك ما المطلوب من السودان للتكيف مع رفع الحظر نهائياً؟.
علينا في المرحلة القادمة أن نهيئ بيتنا من الداخل، وأن نصلح البني التحتية المتهالكة والمهترئة، بالإضافة لزيادة حجم الطاقة الكهربائية، وأيضاً حجم التمويل بالمصارف لا يشجع، وكذلك الطرق، فإننا في حاجة ماسة لتطوير قطاع السكة الحديد، ونحن ألغينا السكة الحديد التي هي خط الانطلاق في السودان المترامي الأطراف، ولا بد من سعات ضخمة للنقل، وينبغي أن نعجل بالاهتمام بتطوير السكة الحديد وإنشاؤها على مقاييس عالمية، بحيث يستفيد السودان من موقعه بأن يصبح معبراً لكل العالم بإقامة خطوط قارية، والسودان مؤهل للربط بين البحر الأحمر والدول الأفريقية حتى السنغال، ولابد من إقامة خط حديدي يعبر الدول المغلقة ولا تطل على البحار، وبذلك يمكن نقل البضائع عبر الخط التجاري الذي سيوفر للسودان مليارات الدولارات من رسوم العبور.
*ما تقييمك للستة أشهر الماضية؟.
حدثت ملابسات في الفترة الماضية منها ما هو إيجابي بعد إعلان رفع الحظر الجزئي في الفترة الماضية والذي من أساسه لم يكن مبرراً، لكن هذا عالمنا اليوم الذي توجد به عدالة كاملة وظلم السودان باتهامات جائرة وتعرَّض لعقوبات اقتصادية آحادية أعاقت مسيرة التنمية الاقتصادية لعقدين من الزمان بمجرد أن دولة عظمى نختلف معها في بعض وجهات النظر، هذا واقع العالم للأسف، أما إذا تحدثنا عن تكلفة الحظر نجدها كلفت ما كلفت حتى امتدت يد أمريكا تهدد وتفرض عقوبات وغرامات على المصارف الأوربية التي تعاملت مع السودان، تسببت في إحجام المصارف عن التعامل مع السودان، وأدى إلى إيقاف التعامل مع السودان وتسبب في أضرار في الإنتاج الزراعي والصناعي ومدخلات الإنتاج، بل وصلت الآثار إلى المجالات الإنسانية والصحية، وأن بعض الأدوية ليس من الميسور توفيرها، وكذلك الأجهزة الطبية لا يمكن صيانتها أو استبدالها وتضرر المواطن.