رأي

بعد ومسافة

أزمة الخليج … تداعيات وتوقعات
مصطفى أبوالعزائم
  الآن تنفتح الأبواب أمام كل المراقبين والمهتمين بالشأن الخليجي والعربي والإسلامي لقراءة الواقع المتأزم بين ثلاثٍ من دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر من جانب وبين دولة قطر من جانب آخر، مع التوقعات الخاصة بتداعيات الأزمة وآثارها على علاقات هذه الدول مع محيطها العربي والإقليمي والإسلامي والعالمي.. وذلك ليس بالأمر الهين في ظل اتهامات خطيرة بدعم وتمويل ورعاية الإرهاب وهي اتهامات لا نحسب أنها ستقف عند أعتاب قطر وحدها، هناك تركيا وهناك إيران إلى جانب أحزاب ومنظمات داخل كل الوطن العربي.. لذلك رأينا أن نترك هذه المساحة اليوم للأستاذ والمهندس “مصطفى مكي العوض”، عضو البرلمان ليقدم رؤية تحليلية للموقف في الخليج مع تمنياتنا بألا يتفاقم أكثر مما تفاقم، لأن العواقب وخيمة.. ونتركك الآن مع ما كتبه المهندس “مصطفى مكي” حول هذه الأزمة:

                        ” تأملات في الأزمة الخليجية “

 *المهندس “مصطفى مكي العوض”

الأزمة الخليجية التي أطلت برأسها مهما حاول المشفقون وأصحاب النوايا الحسنة التقليل من شأنها وتبسيط حلها واختزالها في الوساطة كويتية أو أي تحرك آخر أرى ذلك علامة فارقة في الفعل السياسي في المنطقة، بل في العالم العربي والسودان جزء من هذا الحراك وسيتأثر بشكل واضح وكبير بها ويمكن تلخيص نقاط التحوُّل في المنطقة في الآتي:
أولاً: يتضح التحوُّل فيما يمكن أن نسميه نظام (ON&OF) في العلاقات السياسية، حيث أنه كان في السابق تتدرج العلاقات الدولية سلباً أو إيجاباً، وهذا المستجد ظهر في الطريقة الدراماتيكية التي تحوَّلت بها العلاقات السودانية السعودية الإماراتية إيجاباً والسودانية الإيرانية سلباً، وتظهر جلياً في الموقف الحالي بين دول الخليج وقطر.
ثانياً: قدر الدولة السعودية أن تجابه التحديات خلال القرن الماضي وتتصدى نيابة عن الأمة الإسلامية لها، فعندما انتشر الشرك والبدع والخرافة في نهاية الدولة العثمانية سطع نور التوحيد من المملكة بقيادة مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك “عبد العزيز” وعندما ظهر الخطر الشيوعي تصدت له المملكة ودعمت التيارات الحركية الإسلامية حتى صرعت الشيوعية في أفغانستان بدعم سعودي، وعندما ظهرت التيارات الفكرية المنحرفة والمتطرفة من لدن “جهيمان” والتكفيريين والقاعدة وليس انتهاءً بداعش، كانت المملكة حاضرة، والآن تقاتل المد الشيعي الرافضي بضراوة رغم  مساندة بعض ممن يحسب على أهل السنة له والنصر حليف الموحدين إن شاء الله، وهذه الأزمة امتداد لتلك التحديات.
ثالثاً: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)). الشعب القطري شعب متحضر ويستحق كل خير ولكن مثله مثل الشعب المصري أيام “عبد الناصر” والليبي أيام “القذافي” والسوداني أيام الإنقاذ الأولى قبل المفاصلة سيدفع ثمن طموحات قادته وتمددهم للعب أدوار خارج أوطانهم، وفي حالة قطر فلا حجمها ولا تعدادها السكاني يسمح لها بذلك، والشعب القطري يستحق حياة كريمة، ولكن نرى القلق والمسار الحرج الذي يمر به ولنا في ذلك عظة و
علينا أن لا نأمن مكر الله، حيث أن الشعب القطري الذي يتمتع بأحسن مستوى معيشة على مستوى العالم وجد نفسه بين عشية وضحاها يحتاج لتخزين احتياجاته اليومية.
رابعاً: رغم أني لست محايداً في هذا الصراع، إلا أن الحل الأمثل الذي يتمناه الجميع هو أن تحل الأزمة في إطار سلمي وسريع في نفس الوقت، وأن تكون بداية لاتفاق إسلامي يجنب المنطقة التدخلات الخارجية.
خامساً: لعبت قطر خلال العقدين الماضيين دوراً رسم لها بعناية ونفذته بدقة، وهو تكريس الانقسام داخل الدول العربية والإسلامية وبدأته بفلسطين عندما دعمت حماس وكرَّست الانقسام بين غزة والضفة وهو ما كان يمثل حلماً إسرائيلياً وحتى دعمها لثورات الربيع العربي التي أدت لإنهاء الدول العربية التي لها قوة عسكرية ضاربة مثل العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن وحتى تدخلها في دارفور يتجه لتكريس لأوضاع انفصالية قادمة.
سادساً: جمعت قطر خلال العقدين الماضيين الكثير  من المتناقضات، فبينما ظلت الداعم الرئيس لحماس احتفظت لنفسها بعلاقات متميزة مع إسرائيل، ومن جانب آخر دعمت فصائل المعارضة السورية، ولكن لها علاقات حميمة مع إيران وحزب الله الداعم الأساسي للنظام السوري وغيرها من التناقضات، وخاصة فيما يلي العلاقة مع إيران، ولعل من العجب وعلى الرغم من الأطماع الإيرانية الظاهرة في الخليج، لكن تجد أن قطر هي الراعية للمصالح الإيرانية في الدول التي لا يوجد فيها تمثيل دبلوماسي إيراني، وعندما حدث قطع العلاقات الإيرانية السودانية نجد أن قطر هي من رعت المصالح الإيرانية في السودان على الرغم من موقف مجلس التعاون الخليجي الذي هي عضواً فيه من إيران.
سابعاً: إذا استمرت هذه الأزمة لأيام قادمة (وأتمنى أن لا يحدث ذلك)، ولكن في حالة حدوثه فالوضع لا يحتمل الحياد فلا بد من اتخاذ موقف.
ختاماً أتمنى حلا واستجابة من قطر لتصحيح المسار.
* عضو المجلس الوطني السوداني

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية