بعد ومسافة
أزمة الخليج وصعود الأمير “محمد بن سلمان”
مصطفى أبوالعزائم
بدايةً نهنئ قراء هذه الزاوية بعيد الفطر المبارك ونسأل الله أن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، وهي أمنية ترتبط بواقع نعيشه الآن، تكاد أن تغرق فيه منطقتنا داخل بحور من الأزمات المتصلة التي يسوق بعضها بعضاً، بينما يتربص بنا وبأمتنا المتربصون وهم يمسكون بمدىً حادة لتقطيع جسد الأمة الذي تمزق أو كاد بفعل الفرقة والخصام والحروب، وتغذيتها من قبل أصحاب المصالح في هذا الشتات.
ومع كل ما تضج به الصورة من حراك وأحداث وأشخاص ومواقف تكاد تخرج من الإطار الذي يضيق بها يوماً بعد يوم، يبقى دائماً هناك بصيص أمل في الإصلاح الذي لا يكون إلا في ظل الوعي والإدراك التامين بما يحاك حول هذه الأمة من دسائس ومؤامرات، سواء أكان ذلك على المستوى القطري أو على المستوى العام، وتصبح مسؤولية القيادات العربية والمسلمة كبيرة وعظيمة لتجاوز الإحن والمحن والامتحانات المتتابعة في دروس خارج مقررات الشعوب أو المنطقة، إلى جانب مسؤولية أجهزة الإعلام التي من المفترض أن تعبِّر عن حركة مجتمعاتها وأن تقود تلك المجتمعات إلى دوائر الوعي والنور لا إلى الظلمات استغلالاً لجهل فئة أو من خلال تغذية نعرات دينية أو عرقية تدفع الناس دفعاً للتطرف الذي نعرف نتائجه، بل ونعاني منها في المنطقة بأسرها ونحن نعلم الذين غذوّا مثل هذه الأفكار وأسهموا في تنميتها واستغلال بعض الشباب للترويج لها ودفعهم نحو ميادين الإرهاب بزعم تطهير المجتمعات المسلمة، ولعمري إن هذا هو أسوأ استغلال للعقول والبشر.
نعم.. مع كل ذلك يبقى هناك بصيص أمل في التغيير وفي التهدئة وفي المراجعات الفكرية التي تجمع الناس تحت راية التوحيد بعيداً عن الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية والإثنية في بلاد الإسلام، وقد اجتمعت قيادات هذه الأمة لأجل محاربة الإرهاب والتطرف، وأخذ هذا المدّ المتطرف الخطير في التراجع البطيء لكن نافخي الكير لم يتوقفوا عن النفخ في النار بغية زيادة أوارها وتطاير شررها ليحرق القاصي والداني، القريب والبعيد، ولا يفرق بين كبير وصغير أو بين رجل وامرأة أو بين صبي وشيخ، وفي هذا الوضع الحرج والمتأزم يحدث تغيير كبير وعظيم في المملكة العربية السعودية الشقيقة بأن يصدر أمرٌ ملكي سامٍ من خادم الحرمين الشريفين يتم بموجبه تعيين صاحب السمو الملكي الأمير “محمد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود” ولياً للعهد، وهو الأمير الذي سار عليه اسم “أمير الشباب” منذ أن لمع اسمه قبل سنوات عندما تم تعيينه وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء في العام 2014م، بل وقبل ذلك عندما تم تعيينه رئيساً لديوان سمو ولي العهد ومستشاراً خاصاً له ثم تعيينه بعد ذلك مستشاراً خاصاً ومشرفاً على المكتب الخاص لولي العهد الأمير “سلمان بن عبد العزيز” قبيل أن يصبح ملكاً على المملكة العربية السعودية الشقيقة، وقد جاء إلى تلك المواقع رغم صغر سنه وهو من مواليد العام 1985م يحمل معه خبرات عديدة اكتسبها من عمله الرسمي أو الطوعي أو الخيري كان من بينه أنه عمل مستشاراً خاصاً لأمير منطقة الرياض ومستشاراً غير متفرغ لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي وأميناً عاماً لمركز الرياض للتنافسية، ورئيساً للجنة التنفيذية في جمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري، وقد ترأس من قبل عدة لجان ارتبطت بالتنمية ورفع القدرات وحفظ القرآن.
إذن يجيء تعيين الأمير “محمد بن سلمان” ولياً للعهد السعودي في وقت تتقاذف فيه أمتنا الإسلامية الأنواء والعواصف، وتواجه فيه شياطين الفرقة في ظل تحديات صعبة تتطلب الحكمة والمرونة والعقل الراجح، وقد كان ذلك هو ديدن القيادة السعودية منذ عهد مليكها الراحل المؤسس الملك “عبد العزيز آل سعود”، ومن بعده أبنائه الأوفياء الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لخدمة حجاج بيته الحرام ولرعاية الحرمين الشريفين في تلك البقعة المقدسة، ولن يخرج “أمير الشباب” عن مألوف أسرته الكريمة، ويقول تاريخه الشخصي إنه من المميزين على مستوى الشباب السعودي منذ صغره، إذ كان ترتيبه الثاني على دفعته في الشهادة الثانوية، والعاشر على مستوى المملكة العربية السعودية، وكان ترتيبه متقدماً وهو يدرس القانون في جامعة الملك “سعود”، ليصبح أميراً (دارس ووارث) كما نقول في عاميتنا السودانية الفصيحة، وتتعلق به آمال أبناء وطنه وآمال أبناء هذه الأمة ليضع مع أشقائه حداً لهذه الأزمة، ويضع حداً بمعونة كل الأشقاء والعالم للإرهاب الذي كان تعيينه في هذا المنصب الكبير الخطير ضربة له ولكل الإرهابيين على اعتبار أنه كان ولا زال من الممسكين بهذا الملف الصعب، غير علاقاته الإقليمية والدولية التي أكسبته الخبرة والمعرفة والاحترام، وليس أدل على صدمة الإرهابيين بهذا التعيين إلا محاولتهم اليائسة البائسة أواخر شهر رمضان المبارك ليقوموا بعملية إرهابية فاشلة قرب الحرم المكي الشريف.
اختيار الأمير الشاب “محمد بن سلمان بن عبد العزيز” لولاية العهد السعودي لها أكثر من دلالة، فالأمير الشاب يعبر عن تطلعات أبناء جيله، ليس في المملكة العربية السعودية وحدها بل في العالمين العربي والإسلامي، إلى جانب الثقة في أنه سيكون عوناً لخادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز” لتجاوز أزمة الخليج العربي الحالية، ويكون رجل المرحلة لمحاربة الإرهاب والتطرف في كل المنطقة، وهو ما يتطلب منا جميعاً أن ندعو له بأن يوفقه الله لما يحب ويرضى من القول والعمل والنية والهدى وهو على كل شيء قدير.