لعبة المخابرات 2
أروع أدب الساحل الشرقي لأفريقيا هي رواية الإريتري “حجي جابر” “لعبة المعزل المرشوة” لنيل جوائز في قادم الأيام حينما يتسامى القراء العرب فوق عنصريتهم التي لا ترى في أدب جنوب غرب أفريقيا جنوب الصحراء إلا شيئاً ينفي أثر “نجيب محفوظ ” و”إحسان عبد القدوس” وثراء لغة “حجي جابر” واتساع رؤيته جعلته ينظر للقرن الأفريقي بعين الخوف من تداعي سفن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لخنق بلاد الصومال وإريتريا، ولكن برفق حتى لا يثور الرجل المسجي لجز عنقه .. وإذا كانت منطقة الأوقادين في الصومال والجزر البحرية الإريترية وأرض الصومال هي مصنع الثورات والتغيُّرات فإن المنطقة الواقعة من عين سيرو في شمال دارفور، حيث الجبال الشاهقة وغرباً باتجاه أم جرس والطينة ومحلية كبكابية الغنية بالموارد والرجال هي من يصنع الحدث.
في تشاد والسودان معاً من تلك الأرض انطلقت ثورة أو الحركة الوطنية التشادية وبلغت العاصمة أنجمينا وأطاح “إدريس دبي” بالحكم منذ تلك السنوات وظلت المعارضة التشادية تبحث لها عن حليف في السودان يمنحها الأرض والوقود ويحميها من بطش “إدريس دبي” الذي يحكم تشاد مسنوداً بالقبائل العربية والمسلمين في مواجهة معارضة من الجنوب التشادي قوامها قبائل الساري المسيحية، وحينما كانت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي تطرق جبال عين سيرو وتمزق أحشاء قوات “مناوي” وقائد الدعم السريع هناك العقيد “حمدين بشر” المقاتل الشرس وأحد كبار ضباط “مناوي” في زمان مضى.. المقاتل “حمدين بشر” وقع على اتفاقية الترتيبات الأمنية مع د.”أمين حسن عمر” والفريق “دخري الزمان عمر” بدون ضوضاء إعلامية وبرعاية ووساطة تشادية، ولأن “حمدين” والصحفي “بشارة الطيب” من الصادقين المخلصين اتجها مباشرة للوفاء بالتزاماتهم بتنفيذ اتفاقية أنجمينا وتخرج المئات من أبناء الزغاوة من معسكر “خالد بن الوليد” بأم درمان واتجهوا لدارفور مدافعين عن أهلهم، ودك العقيد “حمدين بشر” قوات “مناوي” في عين سيرو، وطارد أحد عناصر المعارضة التشادية حتى لاذ بأحضان “موسى هلال”، ودرءاً للفتنة أبلغ القائد العام لقوات الدعم السريع الفريق “حميدتي” وزير الدفاع “عوض بن عوف” بتفاصيل ما حدث وترك لقيادة الجيش أن تقرر فيما يحدث والمعارضة السودانية مغبونة على “إدريس دبي” و”مناوي” يخطط للاستفادة من المعارضة التشادية لتوجيه ضربات مزدوجة للسودان وتشاد، ولا يزال “جبريل إبراهيم” يتوهم أن من قتل شقيقه “خليل” هو “إدريس دبي” الذي بعث الأسبوع الماضي بـ”سليمان جاموس” و”أبو بكر حامد” بعد اتفاق “دبي” و”حسبو محمد عبد الرحمن” في زيارة الأخير لأنجمينا وغضب “جبريل” على “دبي” أشد من غضبه على الخرطوم ولعبة المخابرات تزرع الشوك وتصنع الألغام لتفجير الأوضاع في المثلث الممتد من وادي هور شرقاً وحتى الطينة غرباً وعين سيرو شرقاً وفي الأسبوع الماضي تم اغتيال المقدم “محمد موسى” (قمر دودا) في رابعة النهار الأغبر بعد تحريض ابن عمه وشحن صدره بالأحقاد من أجل هدف بعيد جد .. و”محمد آدم” الذي هو من عناصر الحركة الشعبية يساري يتقرب من “موسى هلال” ويصدر بيانات صوتية باسم مجلس الصحوة الثوري وبيان من “آدم” يبثه “صلاح البندر” من لندن و”هارون مدخير” يراقب حركة الشيخ “موسى هلال” يدفعه ويحرِّضه على الخرطوم التي ظلت تحفظ لـ”هلال” بفضل.. وعلاقة حسنة وتاريخ وقواسم مشتركة.. والعناصر المخابراتية حول الشيخ “موسى هلال” تستل سكاكينها لتنهش عظم ولحم الجنرال “حميدتي” الصامت على الأذى وهو يتصرف كرجل دولة بحكمة ويقول لمن يسأله “موسى هلال” أنه ابن عمي وزعيم عشيرة أهلي المحاميد، ولكن المخابرات ولعبتها تمضي باتجاه دفع “موسى هلال” لأحضان التمرد ودفع المعارضة التشادية لتقاتل مع “مناوي” في عين سيرو وتحصل على الدولار من “خليفة حفتر”، ولكن في كل يوم يقرأ الفريق “عوض بن عوف” وزير الدفاع تقريراً يقدمه “جمال عمر” يطمئن على أن السودان محروس بعيون لا تنام.