شهادتي لله

(4) رمضان .. المفاصلة التي هزت عرش الإسلاميين (4)

{لم يكن للأستاذ “علي عثمان محمد طه” علاقة بمذكرة العشرة التي قدمت في اجتماع مجلس الشورى يوم العاشر من ديسمبر عام 1998م، ورغم إصرار البعض حتى يومنا هذا على محاولة إيجاد أي علاقة بين “علي عثمان” والمذكرة لدوافع وأجندات مختلفة، إلا أن الثابت أن الذين تزعموا أمر المذكرة كانوا محسوبين على الشيخ “الترابي” نفسه، أكثر من النائب الأول لرئيس الجمهورية في ذلك الوقت.
{ولكن الراجح أن الأستاذ “علي عثمان” قد علم بأمر المذكرة، ولم يكن يريد أن يكون طرفاً في ذلك الصراع في تلك المرحلة، فآثر عدم حضور الاجتماع بالانصراف إلى برنامج آخر، وهو مخاطبة ندوة في قاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات في الوقت الذي كان يتلو فيه “سيد الخطيب” المذكرة الصادمة مباغتاً بها شيخه الجالس على المنصة مع الرئيس “البشير”!
{طالبت المذكرة بتعديل النظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني بحيث تكون القيادة واحدة وبيد رئيس الحزب رئيس الجمهورية، إنهاءً لحالة التجاذب بين الرأسين (رأس التنظيم ورأس الدولة)، كما طالبوا بتفعيل آليات الشورى والمجلس القيادي والمكتب القيادي والأمانات.
{انتصر أصحاب المذكرة في الجولة (الأولى) وأجيزت التعديلات مع بعض التسويات التي قادها الشيخ “إبراهيم السنوسي” من داخل الاجتماع .
{جاء “سيد الخطيب” و”بهاء الدين حنفي” و”علي كرتي” إلى الاجتماع وهم يعلمون أنهم مسنودون بدعم الرئيس الذي وصلوه عبر اللواء “بكري حسن صالح” وزير رئاسة الجمهورية الذي وقع هو نفسه على المذكرة.
{كان النظام الأساسي ينص على ضرورة إدراج المذكرة إما عبر مكتب الرئيس أو الأمين العام أو بتوقيع ثلثي أعضاء مجلس الشورى، ولما لم يكن متاحاً لهم موافقة الأمين العام على مذكرتهم، ولا حصولهم على موافقات أعضاء الشورى بشكل يبدو عليه ملمح المؤامرة على الشيخ “الترابي”، كان الخيار الأنسب هو مكتب الرئيس، وقد تصاعدت وقتها موجات الخلاف بين (القصر والمنشية) وإن لم تخرج حينها للعلن .
{كان الشيخ “الترابي” رحمه  الله، يمارس ضغوطاً قوية في تلك الفترة على (القصر) بلغت حد مطالبته الرئيس “البشير” بخلع البزة العسكرية، والظهور بملابس مدنية، تمهيداً للانتقال لمرحلة سياسية مختلفة يسمح فيها بتعددية حزبية محدودة وفق قانون ومشروع أطلق عليه اسم (التوالي السياسي) الذي أجازه البرلمان في ذات الشهر (ديسمبر) من العام 1998م .
{لكن الرئيس “البشير” رفض طريقة الشيخ العنيفة نوعاً ما، ومحاولاته عزل الجيش عن المشهد السياسي، واعتبره تقليلاً من الدور الأساسي والمفصلي للقوات المسلحة في وصول (الإنقاذ) للسلطة .
{في ظل هذا الطقس الملبد بالسحب الداكنة والمهيأ لزوابع رعدية .. جاء الفريق “البشير” لاجتماع الشورى بالبدلة العسكرية، وهو ما لم يعتد عليه، حتى بعد مغادرة “الترابي” للسلطة، وإلى يوم الناس هذا، إذ ظل يظهر في جميع اجتماعات ومؤتمرات الحزب بالجلابية والعمامة !!
{امتص “الترابي” الصدمة ولسان حاله يقول لأصحاب المذكرة (انتظروا الجاييكم)، فبعد أقل من عام وفي المؤتمر العام الثاني للحزب في أكتوبر عام 1999م، سقط غالبية الموقعين على مذكرة العشرة في انتخابات التأهيل لمجلس الشورى الجديد، وذلك بإشارة من الشيخ لأمناء الحزب بالولايات!!
{لم يدخل “سيد الخطيب” ولا “بهاء الدين حنفي” ولا “كرتي” .. ولا حتى شيوخ كبار بقامة البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” مجلس الشورى، أسقطوا جميعهم في الجولة (الثانية) من المنازلة، بينما دخل “غازي صلاح الدين” عبر كلية ولاية الخرطوم بمساعدة صديقه والي الخرطوم المرحوم الدكتور “مجذوب الخليفة” الذي كان يمثل وحده (ترسانة) خاصة استعصت على لجان المؤتمر العام ومهندسي انتخابات الحزب الذين كانوا ينتقمون لشيخهم الأول والكبير.
{كان “مجذوب الخليفة” رحمه الله، دولة داخل الدولة، وحزب داخل الحزب، وكانت له رؤيته المختلفة وآلياته النقابية والشعبية والأمنية،  مع أنه كان محسوباً في النهاية على تيار (القصر).

{نواصل غداً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية