حوارات

الناشط السياسى المثير للجدل "عادل عبد العاطي" في حوار (2-2)

*هناك فقر برامجي مريع وتضخم فظيع في الشعاراتية الجوفاء
مستقبلي السياسي ليس أهم عندي من مستقبل السودان
صاحبت مسيرته السياسية منعطفات كثيرة منذ أن كان طالباً في جامعة القاهرة فرع الخرطوم في ثمانينيات القرن الماضي، وأحد المتهمين في قضية مقتل الطالبين الإسلاميين الأقرع وبلل، حتى برأته المحكمة، ترك الحزب الشيوعي ليكوِّن حزباً ليبرالياً يعكس تجربته في أوربا، ولكن لعنة الانقسامات أصابته في مقتل، حتى أعلن نفسه مرشحاً مستقلاً لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة 2020م، مطلقاً على حملته الانتخابية التي بدأت منذ شهور “سودان المستقبل”.
حاورته: رشان أوشي
* لماذا ترى أنك أفضل من غيرك ؟ أنت غير معروف على نطاق واسع ولا تملك سنداً قبلياً أو جهوياً أو حزبياً كبيراً – ألا تعتبر هذه مغامرة كبيرة ومخاطرة سياسية يمكن أن تنهي مستقبلك السياسي للأبد؟.
أنا لا أرى أني أفضل من غيري بالمطلق، فهناك من السودانيين من هم أفضل تأهيلاً مني أو من هم أكثر خبرة.. الخ، لكني قطعاً أفضل من أي مرشح للمؤتمر الوطني، وكذلك أنا الأفضل لهذا المنصب من بقية السياسيين، أولاً لأني خضت المعترك السياسي من الصفر وتعلمت فيه وتطورت وطوَّرت، وتشهد على ذلك مواقفي وأفكاري. ثانياً أنا إنسان يمتلك قراره في يده فليس هناك من حزب أو قائد مفكر أو زعيم طائفي يسيطر عليَّ، كما أني حر من التعصب الجهوي والقبلي والديني الذي يركب الكثيرين ومتجاوز لهذه القضبان التي تقيِّد حدود الوطن  الواسع في انتماء ضيق . ثالثاً أنا الأفضل لهذا المنصب، لأني بذلت جهداً كبيراً لتطوير برنامج نهضوي كامل للسودان بشكل تفصيلي، وهو برنامج عملي وقابل للتطبيق بشهادة كل الخبراء. رابعاً أنا الأفضل للتصويت لي لأني أعرف من خلال الاحتكاك كيف يدار العالم الحديث  والدولة الحديثة، ودرست جذور القضايا والصراعات السياسية الحديثة وتناقضات المصالح ونقاط القوة والضعف في بلادنا والجوار والعالم والإمكانيات الكامنة والأخطار الممكنة فينا وفِي غيرنا.. أخيراً   مستقبلي السياسي ليس أهم عندي من مستقبل السودان.
*ما رأيك فيما يسمى بأزمة البديل.. البعض يقول إنه يفضّل الإنقاذ لأنها أفضل من الحالة الليبية أو السورية أو لأن خصومها ليسوا أفضل منها؟.
نعم، حتى الآن كانت هناك أزمة بديل.. هذه الأزمة كانت على مستوى البرنامج وعلى مستوى الرموز وعلى مستوى آليات التغيير. فمن جهة البرنامج ونسبة للكسل الفكري والعمى الأيديولوجي لم يطوِّر أي حزب أو مجموعة برنامجاً عملياً وجدياً وتفصيلياً يخاطب هموم كل السودانيين ويجاوب عليها. كان هناك فقر برامجي مريع وتضخم فظيع في الشعاراتية الجوفاء. لم تتعد برامج بعض الأحزاب الصفحة ونصف بينما لم يمتلك بعضها الآخر أي برنامج وكانت برامجها هي تصريحات قادتها أو رعاتها المتناقضة كل يوم. هذه الأحزاب حاربت المثقفين والمتخصصين والمفكرين فيها وابتعدت عن الخبراء وتحكم في قرارها أبناء أسر يدعون السيادة على الناس أو كهنة أيديولوجيون بلغ بعضهم في العمر عتيا، فمن أين لهم بالخيال والعلم والدراية والدربة والمعرفة والتجربة والاحتكاك التي تطور برنامجاً ؟ في برنامجي مثلاً استفدت من مساهمات خبراء ومتخصصين كثيرين وأخضعت كل فقرة للنقاش وعرضتها لأهل المعرفة والخبرة ولَم أكتف لا بمعرفتي ولا بخبرتي لأنهما محدودتان والعقل الجمعي غير محدود. من ناحية الرموز كيف يرفض الناس تسلط الإنقاذ ويقبلوا تسلط الزعماء الطائفيين والقادة الأبديين ؟ بعض قادة أحزابنا رؤساء لها منذ ١٩٦٤م، ولا زالوا يحلمون بحكم السودان، فهل يمكن لمن يرفض الديمقراطية داخل حزبه ويورث السلطة لأبنائه وبناته أن يقنع الناس أو يكون هو البديل؟ أما على مستوى أساليب التغيير فقد أرهق هؤلاء الشعب صعوداً حين شاركوا الإنقاذ في قتله باسم الكفاح المسلح، أو دعوا الشباب للانتفاض ثم تركوهم لمصيرهم أمام الرصاص في انتفاضات لم يعدوا لها أو يدعموها. لا يمكنك مطالبة الناس بأكثر مما يقدرون وبأكثر مما هو مطلوب وأخلاقي . ومن أجل ماذا ومن ؟ من أجل عودة الطائفية والوجوه القديمة ومن أجل قيادات أفسدت الحكم وسلمت البلاد لقمة سائقة  للانقلابيين ثلاث مرات ؟ الآن كل هذا قد انتهى وهناك بديل علمي وحقيقي وإنساني عن الإنقاذ.. البرنامج التفصيلي موجود ومتيسِّر لكل من يريده كما أنه قابل وخاضع للتطوير في كل يوم. ضمن فريقي وحكومة سودان المستقبل ليس هناك مكان للمحسوبية والسدنة ومعدومي المواهب وإنما هناك مكان وكل مكان للكفاءة والخبرة وطهارة اليد . كما أني لا أطلب من الناس المستحيل ولا أدعوهم للحرب أو الموت أو الخروج للشارع حيث يلقون القمع وإنما فقط للإدلاء بصوتهم الانتخابي للبرنامج الأفضل وتصور السودان الأفضل والمرشح الأفضل.. نعم الآن للناس بديل.
*ما هي أهم ملامح برنامجك الانتخابي؟.
برنامجي الانتخابي يتكوَّن من خمسة محاور رئيسة: الأول يتعلق بإعادة تكوين الدولة السودانية كدولة حديثة وخادمة لمواطنيها – هذه الدولة بالضرورة تقوم على مبدأ المواطنة وليس الانحياز لجهة أو ثقافة أو دين. كما هي دولة دستورية الحكم فيها للقانون وليس الحاكم الفرد أو المحسوبيات أو الأغنياء. دولتنا هذه يجب أن تعتز بأصولها الأفريقية وتتسامح مع مواطنيها والعالم. المحور الثاني وهو المحور الاقتصادي لتفجير ثروات البلاد ومن أهمها الثروة الزراعية والاستفادة من موقعنا لتحويل السودان لبلد لوجستي أول في أفريقيا وتطوير السياحة والخدمات الحديثة التي أصبحت قاعدة الاقتصاديات المتقدمة. هنا لا بد من ابتدار مشاريع عملاقة درسناها وخططناها في كل تلك المجالات وخاصة في مجالات البني التحتية والزراعة الحديثة والتعدين الخ . المحور الثالث وهو اجتماعي ويقوم على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دستورياً وفِي قلبها حق الحصول على الماء النظيف والطاقة والسكن والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وحق تكوين أسرة . هذه الضمانات ليست شكلية وإنما مربوطة بمشاريع تطبيقية. مثلاً سنقوم خلال (١٠) سنوات، أي في خلال دورتين انتخابيتين  بتخطيط وتوزيع (١٠) مليون قطعة، سكنية وبناء (٣) ملايين، وحدة سكن شعبية لأهل السودان. فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي لي اقتراح ثوري وهو صرف دخل مضمون ثابت لأي مواطن غض النظر عن كونه يعمل أم لا، وخارج إطار دخوله الإضافية. المحور الرابع وهو التنمية البشرية والحقوق الثقافية وهنا لا بد من تمكين المرأة وإنصافها واستعادة دورها السليب في المجتمع، كما لا بد من إعادة الاعتبار وتطوير الثقافات السودانية وفِي نفس الوقت الانفتاح على الحضارة الإنسانية. المحور الخامس وهو الدفاع والأمن بمفهومه الشامل والعلاقات الدولية للسودان، وفِي هذا المجال أسعى لبناء دولة قوية ومحترمة في أفريقيا والعالم، ليس عن طريق العنتريات والمغامرات وأحلام اليقظة، وإنما برفع مقدراتنا الاقتصادية وتحقيق السلم الأهلي وجعل السودان بلداً جاذباً لمواطنيه لا طارداً لهم. مهم هنا تطوير وتحديث الجيش وخلق عقيدة عسكرية جديدة وبناء علاقات ودية وندية ومتوازنة مع كل دول المنطقة والعالم والبعد عن سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين والتركيز على التعاون الإقليمي والدولي مع التمسك الصارم بالثوابت الوطنية. هذا باقتضاب شديد ملامح البرنامج والذي يمكن الإطلاع على ملخصه المنشور في حوالي (٧٠) صفحة، والآن قيد الإعداد النسخة المفصَّلة من البرنامج والمكوَّنة من (١٠٠٠) صفحة.
*ينتقد البعض برنامجك إنه غير واقعي ويحتاج إلى أموال ضخمة لتنفيذه لا تتوفر في السودان.. من أين ستمول تلك المشاريع الضخمة والدخل المضمون لكل مواطن وبرامج السكن والصحة والتعليم.. الخ من الأهداف الكبيرة والجميلة والخزانة السودانية شبه فارغة ؟.
الاحتياجات ضخمة وتحتاج إلى استثمارات رأسمالية بحوالي (٢٠٠) مليار دولار، على الأقل في خلال عشر سنوات. لكن السودان ليس بلداً فقيراً وإنما هو بلد غني نهبت ثرواته وأهدرت.. في خلال عشر سنوات، كانت عائدات النفط فقط (١٠٠) مليار دولار، والآن عائدات الذهب تعد بالمليارات، ولكن أين هي، وفيم تصرف؟. هناك أيضاً كنزنا الأخضر والكامن في الزراعة، حيث نزرع (١٠٪‏) فقط من أراضينا الصالحة للزراعة. الخدمات اللوجستية لـ(٤) دول مجاورة ليس لها مدخل للبحر وأن نصبح مركز اتصالات ومواصلات القارة الأفريقية كنز مهدر آخر . الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية ليس أموالاً تضيع ولكنه سيرجع في شكل ازدهار اقتصادي واجتماعي وتنشيط للسوق الداخلي وهو أساس أي نهضة. لقد قمنا بحساب كل الموارد والإمكانيات المهدرة والأموال التي يمكن استعادتها وفق حسابات دقيقة ووصلنا لنتيجة أنه في خلال (١٠) سنوات، يمكن أن تتوفر الأموال لتحقيق تلك المشاريع والخطط الضخمة إذا توفر السلام الأهلي والحكومة الرشيدة والإرادة السياسية والتخطيط الدقيق. صرف مرتب  مضمون لكل مواطن بقيمة (50) دولار، شهرياً سيكلفنا حالياً حوالي (١٥٪‏) من دخلنا القومي وهي نسبة يلتهم أضعافها الصرف الأمني المتضخم وتساوي حجم المال المهدر بسبب الفساد.. إذن المشكلة ليست في وجود المال وإنما في كيفية صرفه وتوظيفه وتنميته.
*هل برنامجك هذا مستقى من أنظمة حكم ليبرالية، وهل طبق في مكان ما؟.
برنامجي مستقى من احتياجات الواقع السوداني ومن دراسة تطبيقية لقضايا وقطاعات الاقتصاد والاجتماع السوداني المختلفة.. استفدت ودرست، قطعاً، تجارب الدول المتقدمة في الغرب والشمال، وكذلك أيضاً الجنوب والشرق .. التجربة البرازيلية في مكافحة الفقر كانت ملهمة، ولكن ضيعها الفساد السياسي.. تجربة سنغافورة في حكم القانون والنهضة الاقتصادية تجربة ممتازة تغري بالتعلم منها.. تجربة كوستاريكا في ربط الديمقراطية الليبرالية بالعدالة الاجتماعية تجربة متميزة ورائدة على مستوى العالم.. فكرة الدخل المضمون طبقت على مستويات محلية وضيقة في ناميبيا والهند وفنلندا.. الخ، لكن السودان سيكون أول دولة تطبقها على مستوى وطني .. أكيد أن برنامجي لم يطبق في أي بلد آخر لأنه برنامج لمعالجة قضايا السودان، ولكن قطعاً بعض الحلول فيه طبقت بنجاح في بعض الدول، مثلاً المتعلقة بالطاقة الشمسية أو الطاقة البديلة عموماً أو تحديث الزراعة وتطوير الريف.. الخ .
*برنامجك يقترح وسطية سياسية وعملاً مرهقاً منظماً كما هو برنامج ليبرالي، والمجتمع السوداني مجتمع محافظ من جهة وغارق في الراديكالية من الجهة الأخرى، لذلك لن يقبل برنامجك وليبراليتك؟.
في الحقيقة المجتمع السوداني لم يجد الفرصة أبداً ليقرر ولَم تطرح له برامج عملية وواضحة ليختار من بينها. أنا أثق في وعي المجتمع السوداني، وشعبنا عملاق، ولكن خذلته النخب السياسية. فلنطرح له البرامج ولندعه يقرر بدلاً من تصنيفه أنه محافظ أو راديكالي.. الخ. من جهتي أنا واثق من اختيار الناس لبرنامجي فمن الذي سيرفض ضمان حقوقه الاقتصادية والاجتماعية ومن سيرفض دولة القانون ومن سيرفض النهضة الاقتصادية إلا أن يكون صاحب مصلحة في تخلف وعذابات السودانيين وهؤلاء قلة لا تحسب.. في النهاية دعيني أهمس لك أن برنامجي لا ينطلق من الليبرالية أو الاشتراكية أو غيرها، فقد تجاوزت هذه التقسيمات الضيقة وإنما هو برنامج نهضوي علمي لحل مشاكل واقعية ينطلق من العلم والحس السليم، يعني برنامجي وحلولي هي من مشاكلنا وإمكانياتنا وتجاربنا ومن العلوم تستلهم أفضل ما توصل له العقل الجمعي الإنساني من تجارب غيرنا، أي من واقعنا، بس من أكتر، كما قال الفنان.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية