(المجهر) تزور معسكرات اللاجئين الجنوبيين بالنيل الأبيض (1)
خبراء يقدرون أعداد اللاجئين بـ(300) ألف نسمة
الحاجة متزايدة للغذاء والإيواء و(حظر تسلل أي لاجئ إلى الخرطوم)
معسكر “العلقاية” يشهد كل يوم ميلاد طفل.. ولا إصابات بالإسهال المائي
الجبلين ـ سيف جامع
يواجه السودان تحديات كبيرة مع تزايد تدفق اللاجئين من دولة جنوب السودان، مع اشتداد وتيرة الحرب الطاحنة التي يقودها قطبا الصراع هناك الرئيس “سلفا كير” وقائد التمرد “رياك مشار”، فالمعسكرات ما زالت في توسع مضطرد باستقبال عشرات اللاجئين الجدد يومياً، الأمر الذي يتطلب جهوداً جبارة من قبل وكالات الأمم المتحدة العاملة في مجال الإغاثة وحكومة السودان، التي يقع عليها العبء الأكبر.
وحسب التقديرات غير الرسمية من قبل الخبراء فإن أعداد اللاجئين بالولاية الحدودية ربما تتجاوز (300) ألف نسمة، يمثلون ضغطاً على خدمات (الصحة، المياه والتعليم)، فضلاً عن السلبيات الأخرى.. وفي معسكر (العلقاية) أول معسكرات اللجوء، افتتح عام 2014م، ويضم (18) ألف لاجئ، كان وراء كل لاجئي قصة وحكاية ومغامرة خاصة به، تجسدت فيها فصول معاناته في رحلة الهروب من وطنه قبل أن يستقر به المطاف في المعسكر المشيد من القش والمواد الأولية.. وخلال حديث (المجهر) مع اللاجئين، أكدوا وصلوهم السودان مشياً على الأقدام قاطعين مئات الكيلومترات، فراراً من أتون الحرب المشتعلة، ولم يصدق الكثير منهم نجاته من الموت سواء بالجوع أو نيران الأسلحة، ليبدأوا من ثم رحلة حياة ما بين المعاناة والانتظار والأمل والترقب.
حينما تطأ قدماك أطراف معسكر (العلقاية) بمحلية الجبلين بولاية النيل الأبيض تلاحظ– للوهلة الأولى- الهدوء الذي يسيطر على المشهد، لكن عندما تلتقي اللاجئين وتستمع إليهم فإن ضجيجاً هائلاً تحسه يملأ المكان، بقصص إنسانية مؤثرة غالبية أبطالها من الأطفال والنساء، بينهم اليتيم والأرملة، ومنهم من فقد كامل أسرته، وبعض منهم لا يدري مصير أبنائه، الذين اختفوا وسط أحراش الجنوب أثناء المعارك.
وبلغ عدد اللاجئين بمعسكرات الإيواء (140) ألف نسمة، يقيمون في ثمانية معسكرات بالنيل الأبيض، حسب معتمدية اللاجئين، لكن مفوضية العون الإنساني بالولاية أشارت إلى انتشار عدد كبير من الجنوبيين خارج المعسكرات على النيل بجانبيه، إلى امتداد الحدود مع ولاية الخرطوم.
وبالفعل يمكن للزائر إلى المدن الحدودية مشاهدة وجودهم بالأسواق، وهم يمتهنون الأعمال الهامشية، كبيع الشاي وأعمال البناء، رغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات الولائية بتقنين تحركاتهم خوفاً من تسلل أعداد كبيرة منهم إلى المدن، بما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على المجتمع.
ويقول مفوض العون الإنساني بالولاية “محمد إدريس الشيخ” إن الحكومة السودانية منذ بداية الحرب في الدولة الوليدة عملت على تخفيف معاناة المواطنين الجنوبيين بفتح أربعة مسارات لتوصيل الإغاثة إليهم. وتمتد هذه المسارات من كوستي إلى جودة ثم مدينة الرنك بدولة الجنوب، ومسار من كوستي إلى المقينص، وثالث من كوستي إلى بانتيو، والرابع إلى أويل.
ويضيف المفوض قائلاً إن حكومة السودان وفرت كل المعينات اللازمة لراحة الجنوبيين سواء بالمعسكرات أو في الجنوب، حيث تتحرك إليهم الشاحنات المحملة بالإغاثة أسبوعياً. وكذلك ساهم عدد من الولايات بإرسال قوافل إلى دولة الجنوب، كما كان لمكرمة رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” التي قضت بإرسال آلاف من جوالات الذرة أثر كبير في تخفيف موجة المجاعة، مؤكداً أن كل هذه التحركات بهدف الحد من تدفق اللاجئين بهذه الأعداد الهائلة إلى السودان. ويشير إلى انتشار كبير للاجئين الجنوبيين خارج معسكرات الإيواء، وقال إنهم منتشرون في المدن وعلى الشريط النيلي حتى ولاية الخرطوم. وأكد أن ولاية الخرطوم أغلقت حدودها ومنعت دخول اللاجئين الجنوبيين، غير أنه أشار إلى وجود حالات تحايل للدخول بعدة طرق، مبينا أنهم يتجولون في كل الولايات دون مضايقات أو الحد من حركتهم، نافياً استخدامهم كعمالة، وإنما تستضيفهم الولاية وفقاً للقيم السودانية.
وأشار المفوض إلى أن الوضع يحتاج إلى مزيد من تدخل منظمات ووكالات الأمم المتحدة العاملة في مجال الإغاثة، وقال إن الجنوبيين المنتشرين خارج المعسكرات تنقصهم الخدمات، وإن ما تقدمه وكالات الأمم المتحدة يحتاج إلى إسناد، خاصة وأن حجم التدفقات كبير ويفوق إمكانية الولاية. وناشد منظمات الأمم المتحدة بالالتفات إلى اللاجئين خارج المعسكرات بالعمل على توسعة المواعين الخدمية في مجالات الصحة والتعليم والمياه.
ويشير العاملون في المعسكر إلى أن اللاجئين الجنوبيين لم يسجلوا أي بلاغات تعدٍ أو جرائم سواء بالمعسكر أو خارجه، سوى تلك المشاكل العادية المتمثلة في المشاجرات بينهم، مؤكدين أن سلوكهم المسالم حفز حكومة السودان على دعمهم والعمل على إيواء أكبر عدد منهم نظراً لعلاقات الأخوة والترابط بين البلدين.
ورغم تضافر جهود الحكومة لتوفير الاحتياجات الإنسانية للاجئين، إلا أن حجم الاحتياجات في توسع مستمر، خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين كل يوم، حيث وصل إلى الولاية منذ شهر أبريل الماضي ما بين (20 إلى 40) ألف لاجئ في الأسبوعين الأخيرين، وفقاً لمعتمدية اللاجئين، لكن ولاية النيل الأبيض لم تبدِ أي انزعاج من استضافتهم في ظل التحديات التي تواجهها، المتمثلة في توفير الخدمات للعائدين السودانيين من دولة الجنوب، ويقدر عددهم بحوالي (70) ألف نسمة ومعظمهم من التجار والرعاة الشماليين الموجودين هناك قبل الانفصال، وقامت الحكومة بتوطينهم في قرى نموذجية، لكنهم ما زالوا يحتاجون لبعض الخدمات الصحية والتعليمية.
وحول الوضع الصحي بمعسكر (العلقاية) الذي يضم (18) ألف لاجئ، يقول الطبيب بمركز صحي يتبع للهلال الأحمر الدكتور “ناويلا تول أدوك”، إن المعسكر خالٍ من الأوبئة، والأمراض تنحصر في الملاريا والالتهابات، مشيراً إلى انتشار مرض الجرب ووصلت الإصابات إلى (500) حالة وسط الأطفال. وعزا دكتور “ناويلا” ذلك إلى استحمام الأطفال في (خور) به مياه راكدة منذ الخريف الماضي، لكنه أكد أنهم تمكنوا من القضاء على الجرب قضاء تاماً.
ويقول د. “ناويلا” إن الذين يترددون على المركز يبلغ عددهم ما بين (100) إلى (120) مريضاً يومياً، وذكر أن إحصائية الولادة تتراوح ما بين حالة إلى حالتين في اليوم. وتحدث عن نقص في أدوية الملاريا.
وبالرغم من الأوضاع الإنسانية التي يعشيها الجنوبيون، إلا أنها لم تمنعهم من التفكير في المستقبل، حيث تحرص أعداد كبيرة منهم على حضور دروس اللغة الإنجليزية التي يقدمها المتطوعون عصراً بالمعسكر، فيما اتجه الشباب إلى ممارسة رياضة كرة القدم. وصادفنا أثناء وجودنا بالمعسكر مباراة في كرة القدم بين فريقين للاجئين (أرسنال ـ برشلونة) حضرها عدد كبير من الناس، بينهم مواطنون سودانيون. كما قامت المنظمات بإنشاء ميادين حرة للأطفال للتنزه واللعب، ويتم توزيع الألعاب عليهم.
وفي الجانب الآخر من المعسكر، يمارس بعض اللاجئين حياتهم العادية، فمنهم من فتح محلاً تجارياً لبيع السلع الاستهلاكية وتحويل الرصيد، ومحال للحلاقة.