رأي

بعد ومسافة

تكريم يثلج كل الصدور
مصطفى أبو العزائم
اعتراف المجتمع بأدوار الرواد هو أعظم تكريم، خاصة إذا ما كان المكرمون من أولئك الذين يعملون في الظل أو من وراء حجاب، لا يعرف فضلهم إلا أبناؤهم وبناتهم الذين هم ليسوا من أصلابهم، إضافة إلى تلاميذهم والمقربين من دوائر فعلهم الطيب الجميل.
القاعة الرئاسية لقاعة الصداقة في الخرطوم، ورغم قيمة إيجارها العالية، شهدت يوم (السبت) الماضي تكريماً نموذجياً ومثالياً قام به طلاب وخريجو كليات الصيدلة بالسودان على مدى عقود لأستاذهم وأستاذ الأجيال البروفيسور “محمد رملي أحمد” وسط حضور مكثف للأطباء الصيادلة من مختلف الأجيال، وعدد كبير من عمداء وأساتذة وطلاب وخريجي كليات الصيدلة بالجامعات السودانية، إلى جانب أسرة البروف “رملي” وأقاربه وأهله من منطقة “واوسي” ريفي الجيلي بولاية الخرطوم.
لماذا يتم تكريم البروفيسور “محمد رملي أحمد” ولماذا يتداعى لهذا التكريم كل هؤلاء الناس من مختلف أنحاء السودان وأصقاعه المترامية المتباعدة؟. هذا هو السؤال.. أما الإجابة فستكون لأنه يستحق، فالرجل قضى أكثر من نصف عمره بين قاعات الدرس، ومعامل كليات الصيدلة، وتخرج على يديه عدة أجيال من صيادلة السودان الأفذاذ الكبار الذين يشار إليهم بالبنان داخل السودان أو خارجه، ولا زال يعمل حتى الآن ولا يغادر إلى الخارج رغم المغريات المادية، فإحساسه بالمسؤولية يتعاظم يوماً بعد يوم.. وربما كانت حصيلة دخله الشهري من عمله في الجامعة الآن أستاذاً ومعلماً لا تتعدى حفنة من الجنيهات تتآكل قيمتها يوماً بعد يوم مع انخفاض قيمة العملة الوطنية، والتدهور الاقتصادي الذي نعيشه الآن.
أبناؤه وبناته من الذين تلقوا العلم على يديه، عرفوا ذلك، وعاشوه، وقدروا دوره العظيم والمتعاظم، لذلكم تنادوا إلى تكريمه، ولم يمتنع أي من صيادلة السودان عن المشاركة في تكريم البروف “رملي” وأسهم كل صيادلة السودان بمبلغ رمزي قدره ألف جنيه سوداني للتكريم. وكانت المفاجأة أن المبلغ جاء أكبر من توقعات اللجنة التي نظمت لهذا التكريم/ كانوا يريدونه تكريماً معنوياً واعترافاً بالجميل، لكن أحد أعضاء اللجنة وهو ابننا “علي حمدي” قال إن المبلغ الذي أسهم به الصيادلة فاق المليون جنيه مليار بالنظام القديم – ونقل إلي تفاصيل حفل التكريم لرجل لم أره من قبل ولم أتعرف عليه، فالرجل زاهد ولا يميل إلى الظهور تحت الأضواء الكاشفة، لكن أهل الفضل يعرفون فضله، وهو حسبما توفر لنا من معلومات من مواليد 1945م في قرية “واوسي” (الشيخ عبد القادر) ريفي الجيلي بولاية الخرطوم، تلقى تعليمه الأولي بمدرسة الجيلي الأولية في الفترة من 1952 -1955م ثم المرحلة الوسطى بالأميرية من 1955 -1959م والثانوية بمدرسة وادي سيدنا من 1960 -1963 ثم كلية الصيدلة في جامعة الخرطوم وكان أول دفعته خلال سنين دراسته الممتدة من 1964 – 1969م.
عقب تخرجه مباشرة تم تعيين الخريج الصيدلي “محمد رملي أحمد” بقسم الكيمياء الصيدلانية، وحصل على درجة الماجستير بامتياز في الكيمياء الطبيعية من جامعة الخرطوم ثم ابتعث إلى بريطانيا لنيل درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية بجامعة “برادفورد” وعمل بعدها أستاذاً زائراً بجامعة “سالفورد” في بريطانيا من 1984م – 1985م وانتدب للعمل بليبيا في الفترة من 1985-1990م، وعمل بعد ذلك بمختلف الجامعات السودانية التي رأى خريجوها أن يقوموا بتكريمه عرفاناً بدوره العظيم.
ترأس لجنة التكريم الدكتور “مجدي عوض الله”، وتم عرض وثائقي عن رحلة الأستاذ الدكتور “محمد رملي أحمد” في حفل التكريم وتحدث المتحدثون عن دور المحتفى به في تطوير التعليم الصيدلاني وهو الدافع الأساسي لهذا التكريم.
نقل إلي من نقل التفاصيل أن كثيرين أجهشوا بالبكاء عندما تم تسليم المحتفى به سيارة جديدة توكسون هيونداي (توسان)  موديل 2017م وصكاً معتمداً بمبلغ مائة ألف جنيه سوداني.
ليت الأمر تحول إلى عدوى حميدة لكل القطاعات والفئات.. فتكريم المجتمع له أثر عظيم وعميق في نفس المحتفى به، وليت هذه المبادرة انتقلت من دوائر الصيادلة إلى كل دوائر المهنيين والفنيين والموظفين.
اللهم لك الحمد والشكر والمنة عدد خلقك ورضا نفسك ومداد كلماتك وزنة عرشك.. اللهم أحفظنا وأحفظ بلادنا وأهلنا وبلغنا المقاصد وأكرمنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.. آمين.. ورمضان كريم .. و(جمعة) مباركة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية