"الحسن" فرصة أخيرة من "الميرغني" و"القصر" .!
أدى القسم وحسم الجدل
الخرطوم ــ محمد جمال قندول
أخيراً حسم مساعد أول رئيس الجمهورية ونائب رئيس الحزب الاتحادي (الأصل) “محمد الحسن الميرغني” الجدل وأدى القسم أمس الأول (الاثنين)، ليغلق بذلك باب التكهنات التي كانت قد أثيرت عشية غيابه عن أداء القسم لحكومة الوفاق الوطني، ليرسم بذلك مرحلة جديدة داخل القصر الرئاسي بعد تجربة سابقة، لم تكن على قدر التطلعات التي كانت في مخيلة الاتحاديين، وهم يمنون النفس بأن يكون لهذا المنصب دور في إبراز فعالية حزبهم شأنهم شأن مساعد الرئيس الآخر “عبد الرحمن الصادق المهدي” الذي حظي من خلال نشاطه، بإعجاب الجميع، كممثل لطائفة الأنصار بعموم السودان، وإن تحفظ على ذلك حزب الأمة بقيادة والده “الصادق المهدي”، وينتظر بأن يكون “الحسن الميرغني” تحت (المجهر) من قبل المتابعين للشأن السياسي بالبلاد بصفة خاصة حتى انتهاء أجل حكومة الوفاق في 2020، والتي ينتظر أن تكتب تاريخاً جديداً في تطور الحياة السياسية.
(1)
ففي تلك الأمسية الساخنة، قبل أسبوعين، عندما كانت جموع السيارات الفخيمة لمسؤولي حكومة الوفاق الوطني تدخل القصر الجمهوري، من الناحية الشرقية لأداء القسم إيذاناً بانطلاق مسيرة سياسية جديدة، كان موكب “الحسن الميرغني”، المرشح لموقع مساعد رئيس الجمهورية، يقطع كوبري شمبات قاصداً إستاد الهلال، لحضور القمة السودانية الأفريقية، التي انتهت بتعادل إيجابي، في تلك الأمسية تساءل الكثيرون عن سر غياب الرجل وعما إذا كانت له علاقة ما بحالة الشد والجذب الذي جرى بينه وبين والده، السيد “محمد عثمان الميرغني”، رئيس الحزب، فيما يخص الخلاف حول قائمة الحزب للمشاركة والذي استمر لشهر ونصف، حيث تردد وجود قائمتين، واحدة أعدها رئيس الحزب والثانية أعدها “الحسن”، قبل أن ينصرف اهتمام المتابعين، للحدث الدرامي المتعلق بترشيح وزير للعدل ثم إقصائه عند أداء القسم. وقد شغل الرأي العام بالجدل حول شهادات وزير العدل المبعد، ونسي الناس خلال الفترة القليلة الماضية من عمر حكومة الإنقاذ قصة تخلف “الميرغني” عن أداء القسم، إلى أن نفضت عنه الغبار الصحف، لتتسارع وتيرة الأحداث بين دار أبو جلابية والقاهرة تارة أخرى، وتخرج العديد من الروايات حول غيابه المتضاربة التي ساهم في اتساع رقعة تداولها عدم خروج أي تصريح من القصر أو “الحسن” بشأن الغياب، قبل أن يحسم الأمر عملياً، أمس الأول (الاثنين).
(2)
ولأول مرة، وفي تصريح، قبل يومين، لمراسل (المجهر) الزميل “سليمان مختار” من القضارف، أكد “الحسن” بأن علاقته مع والده جيدة وأن من يروجون لتلك الشائعات هم مغرضون واصفاً إياهم بـ(الشياطين).
ذات الحديث كان قد أكده وزير التجارة “حاتم السر”، في تصريح لــ(المجهر)، في وقت سابق، قال فيه، بعدم وجود أي خلافات تذكر بين الأب وابنه، وأن الأخير مشارك برغبة تامة، وسبقه إلى ذلك وزير تنمية الموارد البشرية، القيادي بالحزب الاتحادي، “أسامة حسون”. واعتبر بأن علاقة “الحسن” بوالده “سمن علي عسل”، على حد قوله. وأجمعت كل التصريحات، الصادرة من قيادات الاتحادي، خلال الفترة الماضية على عدم وجود أي خلاف يذكر بين الرجلين على المستوى الشخصي والتنظيمي، غير أن الواقع كشف على لسان القائمين على أمر الحكومة قبيل شهر ونصف، بأن قائمتين قدمتا للقصر واحدة من “الحسن” والأخرى من والده، قبل أن يستدعي الأخير الأول، في اجتماع حاسم بالقاهرة قبيل أيام من إعلان الحكومة، ليأتي من مصر على غير الرؤية التي رسمها قبل مغادرته إليها، وقبل أن يرسم الفريق “بكري” معالم حكومته كان “الحسن” مصراً على عدم إشراك مجموعة من الوجوه بقائمته، التي فرضها رئيس الحزب “الميرغني”، قبل أن يعدل عن رأيه، بصورة مفاجئة .
وأياً كانت التفاصيل وكان سير الأحداث، فالراجح أن هذا الملف الخلافي قد تم حسمه وفق صيغة تؤمن بقاء “الحسن” في موقعه وإضافة بعض الوجوه الجديدة أبرزها “حاتم السر”. فهل ينجح مساعد أول رئيس الجمهورية في محو آثار تجربته الأولى التي قضاها وتحديداً 23 شهراً من عمر حكومة الوحدة الوطنية قبل أن تأتي حكومة الوفاق، والتي لم يكن راضياً عنها كما تردد حينها؟ فأية محاولة لجرد حساب أولي لتلك الفترة، لابد أن يلاحظ المراقب،
بأن “الحسن” فارق القصر الجمهوري منذ فترة طويلة واعتكف ما بين القاهرة وتايلاند وأمريكا لفترات طويلة بدواعي المرض، غير أنه اعترف،لاحقاً، بأن غيابه ناتج عن تهميشه داخل القصر الرئاسي، وعدم إعطائه الفرصة الكافية، ليؤكد قدراته على الفعل والإنجاز.
ويتذكر المتابعون للحسن تصريحه الشهير، إبان تنصيبه مساعداً للرئيس عقب الانتخابات، الذي وعد فيه بحل مشاكل السودان خلال 180 يوماً، الأمر الذي جعله عرضة للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا زال صدى ذلك التصريح يتردد من حين لآخر كل ما ذكر اسم الرجل، الذي كان يشكل أملاً كبيراً لدى الاتحاديين، لتجاوز خيبة أمل انعقد، في وقت سابق حول شقيقه “جعفر الميرغني”، عندما شغل ذات الموقع لأول مرة، ومغادرته له بذات الطريقة لخارج البلاد واعتكافه، حتى جاءت انتخابات الرئاسة في 2015، وجاءت بالحسن بديلاً له، كممثل للأسرة الميرغنية والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل).
ويرى المراقبون بأن “الحسن الميرغني” خسر في صراعه مع والده، بأن يأتي بذات الوجوه التي كان يعول عليها، مع بعض التحسينات لصالح “حاتم السر” موفد رئيس الحزب للتفاوض مع الوطني، خلال مارثون المشاورات لحكومة الوفاق الوطني، ويشار في هذا السياق إلى أن “الحسن” كان أمام فرصته الأخيرة، المتاحة له من قبل والده رئيس الحزب “محمد عثمان الميرغني”، الذي ربما ضاق بتهور نجله في مواقف سياسية عديدة، أبرزها “المجزرة” التي ارتكبها بحق قيادات تاريخية بالاتحادي (الأصل)، وصفها بـ”الدواعش”، بجانب عدم قدرته على التعامل مع الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني، بطريقة تتسم بالندية السياسية. وقد انعقد إجماع، تلقائي من قبل الرئيس والحزب الحاكم والقصر، على اعتبار أن “الحسن” أمام فرصته الأخيرة، كونه غاب لفترات طويلة خلال حقبته الأولى، كمساعد للرئيس، والتي بلغت (23) شهراً، حتى فاض الأمر بالبشير، الذي انتقده علناً خلال زيارته لموريتانيا قبل عام، لحضور القمة العربية، ما وضع “الحسن” أمام تحد حقيقي بتغيير الصورة النمطية التي تكونت عن شخصيته داخل القصر والحزب ولدى الرأي العام، والعمل على أن يكون له شأن ودور سياسي كبير خلال عهد حكومة الوفاق، وحتى عام 2020 ليقود حزبه الاتحادي في مارثون انتخابات بدأت عديد من الأحزاب الاستعداد لها باكراً.