بعد ومسافة
أقباط الجزيرة يتدافعون لإنقاذ (أولاد يس)
مصطفى أبو العزائم
ونحن داخل حدائق متحف السودان القومي، مساء (الأربعاء) الماضي في حفل تدشين إذاعة (بلادي)، وقبل أن يبدأ الاحتفال الرسمي، كنت أتجاذب أطراف الحديث مع أستاذنا وأستاذ الأجيال البروفيسور “علي محمد شمو” ثم مع النجمة العتيقة اللامعة الأستاذة “بلقيس عوض”، فكان أن دلف إلى المكان الأب البروفيسور “فيلوثاوس فرج” كاهن كنيسة الشهيدين، منذ أن تم تنصيبه في ذلك الموقع في العام 1969م.
تبادلنا التحايا والسلام الحار، وبعد أن جلس (أبونا) كما ينادى في المحافل الرسمية والشعبية، في مقعد متقدم، ناداني، وتحدث إليّ حديثاً طويلاً حول قضايا عديدة، لكنه قال لي إن حرصه يزداد يوماً بعد يوم ليكون متابعاً لبرنامج (مانشيتات سودانية) في قناة (سودانية 24)، وإنه يحرص على مشاهدة ومتابعة الحلقات التي أكون ضيفاً عليها كل أسبوع لأسباب كثيرة ذكرها، نمسك عن ذِكرها، وفيها تقريظ على منهج التحليل الذي نتبعه في البرنامج.
ما علينا.. ذكر البروفيسور “فيلوثاوس فرج” وهو قد نال مؤخراً درجة الأستاذية ليصبح من حملة اللقب العلمي الرفيع “بروفيسور”.. ذكر البروف “فيلوثاوس” أنه تابع حديثاً لصاحبكم حول مدرسة (أولاد يس) بجنوب الجزيرة التي لم ينجح منها أحد خلال امتحانات مرحلة الأساس الأخيرة، ولم يحرك ذلك شعرة في حكومة الولاية، ولا في محلية جنوب الجزيرة، مشيراً إلى حديثي حول الأمر بأن الحكومة هي المسؤولة عن التعليم، والمجتمع دوره فقط أن يساند، لأن الحكومة هي التي توفر المدارس والمعلمين وتحدد المقررات وتطبع الكتب، وتتولى تهيئة البيئة التعليمية، حتى يتم التحصيل الأكاديمي بالصورة المطلوبة، لذلك كان صاحبكم يرى ضرورة إقالة المسؤولين عن الكارثة، لأن هذا الإهمال الكبير والتقصير الواضح إنما هو استخفاف باهتمامات المجتمع العظمى المتمثلة في رعاية أبنائنا وبناتنا الذين هم مستقبل هذا الوطن.
يقول الأب البروفيسور “فيلوثاوس فرج” إنه قاد مبادرة وطلب من طائفة الأقباط في ولاية الجزيرة أن يقوموا بتبني قضية مدرسة (أولاد يس) والخروج بها من عنق الزجاجة، وإنه أجرى اتصالاً بأحد أبناء الجزيرة من الأقباط هو السيد “نبيل القمص” لقيادة هذا العمل، والتحرك من أجل إنقاذ هذه المدرسة، وقد حدث ذلك بالفعل، وقام وفد من أقباط الجزيرة بزيارة المدرسة ووقف على مشاكلها التي تم تلخيصها باختصار شديد في نقص المعلمين، وهو نقص حاد لم يترك بالمدرسة سوى المدير ومعلم واحد يقوم بتدريس كل المواد لكل التلاميذ في كل الفصول، لذلك رأت هذه اللجنة أن الحل يبدأ بتوفير سكن للمعلمين، وأن تبدأ فوراً في التأسيس لـ(ميز) من خلال إيجار منزل يتم تأثيثه بصورة تليق بهذه المهنة، حيث إن السكن يعدّ مشكلة هناك وفي كثير من قرى الجزيرة بالنسبة للأغراب والعُزاب، حتى ولو كانوا معلمين.
الأب “فيلوثاوس فرج” أعلن عن دعمه الفوري لتلك المبادرة بمبلغ عشرة آلاف جنيه، وهي تعدّ أول قطرة من غيث الدعم الذي سيتوالى نزوله خيراً على (أولاد يس) وما حولها، من أقباط الجزيرة الذين أثبتوا لأشقائهم المسلمين أنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع المتماسك.
لم استطع أن أقول شيئاً لنيافة الأب البروفيسور “فيلوثاوس فرج” سوى كلمة واحدة لعلها تحمل من المعاني الكثير.. وهي (شكراً).